عاصم الصالح – المركز الصحفي السوري
تتصدر محافظة إدلب شمال غرب سوريا إضافة لمدينة حرستا في ريف دمشق الأحداث الميدانية المأساوية في المشهد السوري، حيث تتعرضان منذ أيام لأعنف حملة عسكرية تشنها قوات النظام وحلفاؤها لإخضاع الفصائل الإسلامية والمقاتلة ودفعها للاستسلام فضلاً عن إجبار آلاف السكان المدنيين للنزوح عن بيوتهم في ظل الظروف الجوية القاسية وذلك عبر استعمالهم لسياسة الأرض المحروقة.
تواصل قوات النظام وحلفاؤها التقدم في ريف محافظة إدلب الشرقي لتوسع سيطرتها إلى 87 بلدة وقرية منذ بدء الهجوم أكتوبر الفائت بدعم من الميليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية وبغطاء جوي ومدفعي وصاروخي كثيف حسبما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان. وهي بذلك تحاول الوصول إلى مطار أبو الظهور الذي تريد روسيا وإيران تحويله لقاعدة عسكرية وربما الذهاب أبعد من ذلك ومحاولة الوصول لبلدتي كفريا والفوعة لفك الحصار عنهما. وبغض النظر عن كون هذا التقدم تم بسرعة كبيرة في الريف الإدلبي إلا أنه لا يعني حسب الكثيرين إمكانية سيطرة النظام وحلفائه على المحافظة بتلك السهولة، فهي تتموضع في موقع استراتيجي يتوسط محافظتي حلب واللاذقية والتداخل الجغرافي كذلك مع ريف حماة يمكن الفصائل إذا توافرت لديها الإرادة والإدارة لشن هجوم معاكس على قوات النظام لتكبيدها خسائر فادحة. ولا ننسى هنا حجم الفصائل التي تتواجد هناك، فهي تعتبر من أشرس تشكيلات المعارضة قوة وتدريباً وعتاداً وقدرة على الاحتفاظ بالأرض وذلك بالنظر لمقدراتها الكاسحة على الإطاحة بتواجد النظام في إدلب ربيع عام 2015 والخسائر المرعبة التي منيت بها قوات النظام إبان تشكيل غرفة عمليات جيش الفتح قبيل بدء العمليات العسكرية. أما عن حجم هذه القوات فلا يوجد إحصائيات دقيقة لعدد المقاتلين إلا أنه لا يقل عن 30 ألف مقاتل من كافة التيارات الإسلامية وغيرها، فضلاً عن تبلور قوى أخرى ناشئة في الساحة كقوى العشائر مثلاً، وهي القوة الأضخم التي سيواجهها النظام منذ بداية الثورة عام 2011 إذا ما قرر مواصلة الزحف وبسط السيطرة على كامل المحافظة.
وبالمقابل فإن روسيا إذا قررت اجتياح المحافظة فهذا يعني آلاف الشهداء المدنيين ومئات الآلاف من المشردين ودماراً مرعباً للبنية التحتية من مشافي ومدارس ومستوصفات ومحطات تغذية مياه، وهي التي خبرناها جيداً في معركة حلب عامي 2015 و 2016. وبوتين الذي يدير الآن الملف السوري يعمل جاهداً على إظهار نفسه على أنه المتحكم الوحيد بهذا الملف عبر إدارته لشبكة علاقات معقدة مع دول الجوار تركيا وإيران وإسرائيل وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، فهو يعتبر إدلب ورقة ضغط قذرة بيده على السياسيين الذين قبلوا حضور اجتماعات الأستانة و يطلب منهم الحضور إلى سوتشي أواخر هذا الشهر لإتمام مسرحية “الانتقال السياسي”.
تعتبر الدعاية الإعلامية أو ما يسمى” البروبغندا” سلاحاً ذا أهمية كبيرة في هذه المعركة، فالروح المعنوية العالية مطلوبة في هذه الظروف، فالحرب الإعلامية مع النظام لا تقل شراسة عن المعارك الميدانية، لكن وبسبب مركزية الأجهزة الإعلامية للنظام وتوجيهها باتجاه واحد نجحت في استيعاب أكثر المراحل حرجاً التي مرت بها قواته، خصوصاً أننا نستذكر سوية المساحات التي كان يسيطر عليها نظام الأسد قبل عامين كانت لا تتجاوز 19% من مساحة البلاد ولم يخرج إعلامه الرسمي ليخوّن ويعلن الهزيمة بل استمر يجترّ الأكاذيب إلى هذه اللحظة. وبالمقابل فإن الفصائل مطالبة بتوحيد منبرها الإعلامي وعدم السماح باستمرار هذه الفوضى الإعلامية في المناطق المحررة .ننطلق هنا من مبدأ أن النصر يبدأ بالاعتماد على الذات أولاً وقبل كل شيء وعدم مواصلة الانجرار خلف سياسة التخوين المتبعة في أغلب المنابر الإعلامية المعارضة، فكل الفصائل بذلت ما بوسعها للصمود ولكن شراسة القصف والطلعات الجوية القياسية التي وصلت في بعض الأحيان ل700 طلعة جوية من أجل السيطرة على قرية صغيرة ك أبو دالي في ريف إدلب الجنوبي الشرقي تستطيع أن تصهر أعتى قوة في الوجود، لذلك فإن الساحة السورية لم تعد تحتمل زيادة الفرقة والتشرذم بقدر ما تفرض عليها رص الصفوف لمواجهة التحديات المقبلة.
من الناحية السياسية لن يستجد شيء ما يدعم المعارضة عسكرياً ضد النظام، فأغلب الدول الداعمة للمعارضة قد نفضت يدها من الملف السوري، فالدول الخليجية الداعم الأبرز للمعارضة مشغولة الآن بخلافاتها البينية عدا عن أن الشقيق السعودي الأكبر لديه من المشاكل والتحديات ما يجعله يحجم عن بلاد الشام بأكملها ويجعلها فريسة للطامعين بها من الإيرانيين والروس وكذلك إسرائيل. أما تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان فهو الآخر في وضع لا يحسد عليه. فبعد الانقلاب العسكري ضده في يوليو تموز 2015 اتسمت سياساته في المنطقة بالتخبط وعدم الوضوح أحياناً، فهو يريد الآن بناء أوثق العلاقات مع موسكو وطهران وربما لاحقاً الأسد، فالرجل لا يهمه من الملف السوري سوى محاربة الأكراد الذين يعتبرون في قاموسه السياسي إرهابيين ويريد استئصال شوكتهم على حدود بلاده الجنوبية مع سوريا والعراق. أي أن الرجل الطيب كما يحب للبعض تسميته لن يغامر بعلاقاته المتوطدة مع موسكو من أجل دعم مقاتلي المعارضة في إدلب أو غيرها، فأقصى ما يستطيع فعله -إن أراد- هو ترك الحدود مفتوحة مع إدلب لدخول الحالات الإنسانية الحرجة.
باختصار يمكن القول إن معركة إدلب لن تكون نزهة للأسد وحلفائه وهي تستطيع أن تكون شوكة في خاصرة نظامه إذا توفرت العوامل الأساسية للمواجهة والصمود، فكما كانت إدلب مقبرة لطائرات الأسد بداية الثورة ومقبرة للآلاف من جنوده ربيع 2015 ترفض الآن أن تكون لقمة سائغة بيده، والأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت.