العرب فاروق يوسف
من الطبيعي أن يدبّ الذعر في أوساط موالي إيران في لبنان والعراق واليمن، فهم في طريقهم إلى اليتم سواء انهارت الأرض بوليهم الفقيه، أم بقي في مكانه باعتباره مومياء محنطة.
يوم انتصرت المقاومة اللبنانية وتحرر الجنوب عام 2000 لم يرد في ذهن أحد أن لبنان سيدفع مستقبلا ثمن ذلك النصر من استقلاله وسيادته وحرّية مواطنيه.
كان هناك شعور بأن الحكاية ستنتهي عند حدود التحرير، وأن المقاومين السابقين سيذهب كل واحد منهم إلى عمله ويلتفت إلى حياته الشخصية ويساهم في بناء بلاده كما حدث في أوقات سابقة في بقاع مختلفة من العالم، تعرضت للاحتلال ومن ثم تحررت بفعل مقـاومة شعبها. غير أن المسألة بالنسبة للبنان لم تكن كذلك كما اتضح في ما بعد.
فحزب الله الذي قاد المقاومة لم يكن في حقيقته تنظيما وطنيا مقـاوما، بل كان جماعة عقائدية ذات نزعة طائفية ترتبط ارتباطا عضويا بنظام الولي الفقيه الحاكم في إيران.
كان حسن نصرالله، زعيم حزب الله، شفافا في وصفه لنوع تلك العلاقة بإيران بقوله “ما دامت لدى إيران أموال فإن المقاومة بخير”. كما أن الرجل قد أعلن عن ولائه للنظام الإيراني مرات عديدة بما يفسر تحول الميليشيا التي يقودها إلى قوة إيرانية ضاربة لا في لبنان وحده، بل في المنطقة كلها.
بهذا المعنى فإن مصطلح “المقاومة” قد أفرغ من محتواه الحقيقي ليتحول إلى ضده. وهو ما كشفت عنه حرب 2006 الكارثية واحتلال بيروت عام 2008. في الأولى استدعى حزب الله إسرائيل لتدمير لبنان، وفي الثانية لعب دور المحتل بدلا من إسرائيل.
وفي المناسبتين كان ينوب إيران في التمهيد لفرض سياسات جديدة، ستكون عنوانا لمرحلة تفرض فيها إيران هيمنتها على أجزاء عزيزة من العالم العربي، وكان حزب الله واحدا من أهـم أذرعها الهدامة التي لا تراعي سوى الوفاء لعقيدة الولي الفقيه.
بالمعنى القانوني فقد انتقل حزب الله بمنتسبيه الذين هم من شيعة لبنان من موقع المقاومة إلى موقع الخيانة من خلال إخضاعهم لأوامر دولة أجنبية هي الجهة التي تموّلهم بالمال والسلاح.
أما حين تحول حزب الله بقوة سلاحه غير الشرعي إلى كتلة سياسية هي جزء من الحكومة اللبنانية، فإنه كرس وجوده العسكري وسيلة لاستلاب القرار السياسي اللبناني ووضع الدولة كلها في قبضته. ما يعني تحول لبنان إلى ولاية إيرانية رغما عن أنف شعبه وسياسييه.
وليس بعيدا عن المقاومين اللبنانيين كان هناك مقاوم عراقي هيّأ له الاحتلال الأميركي كل أسباب إنشاء دولته المقاومة التي هي عبارة عن ماكنة هائلة للفساد لم تشهد البشرية مثيلا لها في تاريخها.
كان نوري المالكي قد وجد في انتمائه لتيار المقاومة والممانعة خير وسيلة لتدعيم وضعه حاكما مطلقا أتاح لـه منصبه التصرف بحرية بثروات العراق بما يخدم المشروع الإيراني الهادف إلى إقامة إقطاعيات إيرانية تكون بمثابة الأرض الحرام التي تدافع فيها إيران عن نفسها في أي حرب محتملة.
وكما هو معروف فإن المالكي يتمتع بحماية إيرانية كاملة لا تزال تقف في وجه كل محاولة لفتح ملف الفساد أثناء حقبته، والذي يتضمن هدر أكثر من مئتي مليار دولار يعتقد البعض أنها حوّلت إلى إيران من أجل إنقاذ اقتصادها أو الصرف على مشاريعها التخريبية.
وهكذا فإن المقاومين التابعين لإيران قد قبضوا ثمن مقاومتهم كلا على طريقته.
نصرالله قبض (يقبض) من إيران، أما المالكي فإنه أشرك إيران في ما سرقه من أموال العراقيين. وهنا ينبغي استحضار نظرية الأواني المستطرقة. فما يُسرق من العراق يحول إلى حزب الله عن طريق إيران. أما وقد عجز العراق عن الدفع بسبب إفلاسه، فإن إيران صارت تدفع مباشرة من خزانتها على حساب شعبها الجائع.
اليوم ليس أمام إيران سوى أن تواجه استحقاقا داخليا لطالما غضّت الطرف عنه من أجل أن تستمر في مشروعها التدميري الخارجي. لقد ثار شعبها الجائع وكان واضحا في مطالبه التي يقف في مقدمتها التوقف عن التدخل في شؤون الدول العربية، والقصد من ذلك التوقف عن تمويل الميليشيات والأحزاب والجماعات التي صارت عنوانا للتخلف وأداة للخراب في العالم العربي.
لذلك من الطبيعي أن يدبّ الذعر في أوساط موالي إيران في لبنان والعراق واليمن، فهم في طريقهم إلى اليتم سواء انهارت الأرض بوليهم الفقيه، أم بقي في مكانه باعتباره مومياء محنطة.