سيخلد التاريخ فظاعة أحداثها، وستبقى تلك الليلة حاضرة في مخيلة كل شخص عاش تفاصيل المجازر التي ارتكبها الطيران الروسي في فجر السابع من شباط الحالي، فقد استفاق أهل مدينة ادلب على صوت الصواريخ التي بدأت تنهال عليهم من كل حدب وصوب، ووصل صداها لأبعد نقطة في ريفها من هولها وشدة انفجارها، وكأنها صنعت خصيصا لتدب الرعب في قلوبهم وتسحق معها الأمان الوهمي الذي ظنوا أنهم سيحصلون عليه وهم راقدون في فراشهم ينتظرون إقبال يوم جديد يحمل معه أملا لطالما حلموا به، فلم يعلموا أنهم سيستفيقوا في عالم آخر لايشبه الذي يعيشونه.
تعجز الكلمات والتعبير عن وصف ذلك الإجرام، فاعتدنا على وقوع مجزرة في منطقة، إلا أن حليفة النظام روسيا أصرت أن تخرق القاعدة وتضفي لمستها المكللة بالحقد والثأر على مدينة ادلب انتقاما لجنودها الذين قتلوا في ريف اللاذقية، فعمدت على ارتكاب 3 مجازر إثر 8 غارات جوية بصواريخ شديدة الانفجار في مناطق مختلفة من المدينة، ومن شدة دمارها لم يدرك أهل المدينة الوقت الحقيقي بل ظنوا أن الصبح أطل عليهم من شدة وهجها.
كم هو شعور مؤلم لا بل رهيب، أن تستفيق من نوم عميق وتجد كابوسا قد حل عليك، فتنقل ناظريك لترى كل مايحيط بك عبارة عن ركام وبقايا منزل كنت تظن أنه يؤويك ويستر خلف جدرانه عيوبك وويلات الزمن، فتدخل في طور صدمة لاتعلم ما قد ينطقه لسانك حينها، وأنت همك الأول أن تجد عائلتك المكدسة ربما تحت سقف جيرانك، أو ربما قد وقع عليها حائط دمر معه الحياة وقتل أرواحا كانت ترقد بسلام.
وبمجرد التفكير وتخيل ذاك المشهد قد ترفض مخيلتنا إكمال أحداثه لأنه يشوه كل شيء جميل أمامنا، لكن ماحدث ليس من نسج الخيال لا بل واقع قد لا نصدقه في الأفلام، فكيف استطاعت أم شام أن تبقى صامدة وقد عاشت تلك اللحظات قبل أن يطل عليها الصباح حاملا لها حزنا وألما لم تتوقعه قط، فقد فقدت ابنتها الكبرى “شام” وهي تبحث تحت الأنقاض برفقة الدفاع المدني عنها وتدعو الله أن تكون على قيد الحياة، ولم تعلم أن الغضب الروسي قد اقتلع منها ابنتاها، فضلا عن زوجها الذي قتل أيضا بغارة روسية العام الماضي.
شغلت أم شام مواقع التواصل الاجتماعي برثائها ابنتها “شام” ذات 16 عاما قبل أن تعلم باستشهاد الأخرى “تسنيم”، فتراهي تجلس قرب جثتها وتردد كلماتها عندما كانت فرحة بتفوقها في المدرسة:” ماما أخدت العلامة التامة بالفيزياء، وجبت 30 بالانكليزي، ياروحي كنتي ماتطلعي لتبوسي ايدي وأرضى عليكي، الله يصبر قلبي”.
ليس بغريب عن دولة من المفترض أنها تسعى لمفاوضات حقيقية بهدف وقف إطلاق النار في سوريا وهي الطرف الضامن لذلك وإجراء تسوية سياسية، أن تنتحل صفة القاتل المجرم وتقتل أكثر من 17 طفلا و10 نساء تحت ذريعة استهداف مقرات لجبهة فتح الشام، بالتأكيد لم ولن يضع السوريون ثقتهم بروسيا لأنها حليفة نظام امتهن القتل والإجرام وقتل الأبرياء، فأرواحهم الطاهرة ستغرد في الجنة بإذن الله.
المركز الصحفي السوري _سماح الخالد