«القدس العربي»: قبل أسابيع قليلة فقط من طرحه أسئلة علنيّة تفاعل معها الإعلام الأردني، كان السفير الإيراني في عمّان محبتي فردوسي يتجنب الرد مباشرة عن ملحوظات قدّمها له سياسيون كبار في عمّان، حول «الارتياب» الذي تثيره بلاده بالنسبة للمؤسسات الأردنية التي لا تجد أي مبرر يدفعها لنقل ملف العلاقات مع إيران إلى المستوى السياسي بدلاً من «الأمني».
فردوسي الذي نشط فجأة خلال الأيام الماضية، ظهر في مناسبتين على الأقل، الأولى كانت مناكفة نسبيًا، عندما استمع مع مقربين للنظام السوري إلى موسيقى نشيد الحزب القومي الاجتماعي السوري في تأبين والد عضو البرلمان طارق خوري. عندها أثار التأبين جدلًا واسعًا، خصوصًا أنه مرتبط بأكثر برلماني أردني مؤيدٍ للرئيس بشار الأسد، حيث ظهرت صور متعددة للسفير فردوسي الذي يشتكي بالعادة من «عزلة وحصار» تمارسهما المؤسسات الأردنية على سفارته، إلى جانب رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة الشخصية الرفيعة الأردنية الوحيدة التي زارت طهران منذ أكثر من عامين.
في المشهد الثاني تحدث فردوسي لوكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء بتوسع ملاحظ ومقصود عن «العلاقات الرديئة» مع الأردن، مُقرِّاً أنها في حال سيئة ومن دون مبرر برغم أن ما سمّاه نقاط التوافق أكثر من نقاط الاختلاف. المِفْصل الأكثر إثارة في حديث السفير فردوسي يتمثل في الرسائل التي وجهها باسم بلاده بطريقة دبلوماسية، سرعان ما رأت الحكومة الأردنية أنها غير واقعية، حسب مصادر «القدس العربي» فالرجل حاول الإيحاء بأن طهران ترحب باتصالات مع الأردن للوصول إلى نقاط تفاهم حول ما يصفه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بـ «الميليشيات الطائفية» قائلاً إن الأبواب ينبغي أن تكون مفتوحة فيما يتعلق بأي تساؤل للأردن حول الحدود الشمالية.
السفير فردوسي زعم أن الوجود الإيراني العسكري شمال الأردن يحظى بشرعية تفاهمات آستانة، ويستهدف الاحتياط ضدَّ إسرائيل القريبة، ولا يستهدف الأردن وهي نغمة لا تتسرب إلى الأذن الأردنية التي ترى أن المليشيات الطائفية التي يحشدها الحرس الثوري الإيراني في عمق درعا على خاصرة الحدود الشمالية للأردن مع سوريا قد تكون أخطر من إسرائيل على الأمن الوطني الأردني، وتتسبب – وهذا الأهم – بجذب المتطرفين والمتشددين السنّة من تنظيمات جهادية مثل داعش والنصرة، فيما يجتهد الأردن للحيلولة دون تأسيس جغرافيا جنوب سوريا تجذب مقاتلين إسلاميين متشددين.
اللافت جداً في ملف العلاقات مع إيران أن عمّان أقصت سفيرها عبدالله أبو رمان منذ نحو عامين ولم يعد إلى مقر عمله بعد. ولافت أكثر أن إيران لا تفعل المِثْل، فالسفير فردوسي لا يزال في عمّان برغم «البطالة السياسية « التي يقول لسياسيين أردنيين أنه يشعر بها، وبلاده لم ترد على الإجراء الأردني، وهو موقف يثير حيرة غالبية الأردنيين في الكثير من الأحيان.
بكل الأحوال، يبدو واضحًا أن طهران تحرص على بقاء سفارتها في عمّان، مع أن سياسيين من بينهم رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة ورئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري طالبوا فردوسي بالعمل بنوايا صادقة على تبديد مخاوف الأردن والأردنيين، معتبرين أن القطيعة السياسية بين البلدين التي يشكو منها السفير لها سبب، وأن على طهران أن تدقق في هذا السبب، كما ألمح الطراونة وهو يقرأ المشهد بمعية «القدس العربي».
المصري بدوره كان قد تحدث عن إيران باعتبارها دولة مهمّة جدًا في الإقليم، ومن الصعب إسقاطها من الحساب، وأبلغ «القدس العربي» أنه قدّم ملحوظات مباشرة في لقاء ضم سفراء آسيا للسفير فردوسي حول المبررات التي تدفع بلدا كالأردن لعدم الحماس لأية علاقات متينة مع الإيرانيين.
القرار المركزي الأردني لا يزال يصر على أن يكون الانفتاح السياسي مع إيران صعب المنال، مع الإشارة إلى فلسفة الوزير الصفدي في هذا الاتجاه حيث أن على طهران أن لا تتوقع من عمّان استقبالًا دافئًا فيما تصر على التفكير بعقلية الهيمنة والتدخل في شؤون الكثير من البلدان العربية.
الصفدي أطلق على ما تفعله إيران في اجتماعات القاهرة الأخيرة مفردة «الهيمنة»، وهو تعليق رأى فردوسي في اتصالات مع مسؤولين أردنيين أنه مبالغ فيه.