تركيا إلى مواجهة مفتوحة مع النظامين السوري والعراقي؟

ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية عدّة مؤشرات على اتخاذ الحروب الجارية في العراق وسوريا مسارات متقاربة ومتشابكة، فقد أعلن وزيرا الدفاع الأمريكي اشتون كارتر ونظيره البريطاني مايكل فالون أن الهجوم لاستعادة مدينة الرقة السورية من تنظيم «الدولة الإسلامية» سيبدأ «في الأسابيع المقبلة» بحيث يتناظر ويستكمل ما يجري في الموصل العراقية، لكن الأخطر من هذا التصريح كان حدثاً غير مسبوق في سوريا تمثل بهجوم ما يسمى «قوات سوريا الديمقراطية» المكوّنة بشكل رئيسي من تنظيم «الاتحاد الديمقراطي» الكردي، شنّت هجوما برّياً واسعا ضد قوات فصائل مسلّحة معارضة سورية مدعومة من تركيا وتعمل تحت راية «الجيش السوري الحرّ»، وتمّ ذلك بتنسيق وتغطية جوّية من قوات النظام السوري، بل إن وسائل إعلام تركيّة أعلنت أن الطائرات الروسية هي التي قصفت.
الغارات الجوّية السورية (أو الروسية) استهدفت الفصائل المعارضة في قريتي تل مضيق وتل جيجان وذلك لمنع تقدمها باتجاه مدينة الباب، كبرى وآخر معاقل تنظيم «الدولة الإسلامية» في ريف حلب، وهو أمر فاضح في كشفه للعلاقة العضوية بين النظام و»الدولة الإسلامية»، كما في كشفه للعلاقة الأقل التباساً مع حزب العمال الكردستاني التركي وأذرعه السورية العديدة («الاتحاد الديمقراطي»، «قوات الحماية الكردية»، «قوات سوريا الديمقراطية» الخ…).
وعلى صعيد العراق فإن التصريحات التركيّة المتواترة تؤكد احتمال قرب صدام عسكريّ مع قوّات النظام العراقي ورديفها «الحشد الشعبي» وكان آخر هذه التصريحات ما قاله وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي أكد أمس أن بلاده ستتخذ كل الإجراءات اللازمة في حال حصول هجوم على مدينة تلعفر قرب الموصل والتي تقطنها أغلبية من التركمان، وذلك بعد يوم من تأكيد وصول آلاف المقاتلين التابعين لـ»الحشد الشعبي» الشيعي إلى أطراف تلعفر لبدء عملية عسكرية للسيطرة عليها.

 

انضمام النظام السوري إلى معادلة الصراع التركية مع ثنائي القوات الكردية وتنظيم «الدولة» يناظره في العراق تأهبه لمواجهة اندفاع «الحشد الشعبي» لتغيير الديمغرافيا السكانية في الموصل السنّية والمناطق المحيطة بها، وكذلك مواجهة تمدّد لحزب العمال الكردستاني في منطقة سنجار، وبالتالي فليس مستبعداً في الأيام المقبلة أن يتمدّد النزاع التركي مع قوات «بي كا كا» (حزب العمال) وتنظيم «الدولة» إلى نزاع أيضاً مع ميليشيات «الحشد الشعبي» ومن ورائها نظاما بغداد وطهران.

 

بات واضحاً جدّاً منذ فشل الانقلاب العسكري الأخير في تركيا حصول تطابق بين القرارين السياسي والعسكريّ في أنقرة، واللذين كانا، إلى حدّ كبير، محطّ تجاذب بين المؤسسة السياسية الحاكمة والجيش الذي، إلى كونه سلطة مهيمنة تفترض في نفسها مسؤولية لجم المؤسسة السياسية وضبط إيقاع البلاد، كان أيضاً قريباً من بلدان خارجيّة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن القرار التركيّ كان، سابقاً، محصّلة تقسيم بين قوتين محلّيتين وأخرى خارجية، وتظهر حركة الاعتقالات الكبيرة جدّاً، النفوذ الهائل الذي كانت قيادات كبرى في الجيش التركي تتمتع به والذي ساهم في منع تحرّك القوات المسلحة بحرّية كما يحصل الآن.
إضافة إلى توحيد القرار السياسي والعسكري التركي، يظهر ما يحصل حاليّاً، إحساساً عالي التوتّر في أنقرة بأن التلاعب في خارطتي العراق وسوريا والنفوذ المتمادي لإيران وحركة القوى الكبرى، أمريكيّا وروسيا، تستهدف تركيا بشكل مباشر وهو ما يفسّر استعادة ذكر معاهدة لوزان وذكريات الحرب العالمية الأولى التي شهدت كفاحاً تركيّا مستميتاً للحفاظ على كيانها في وجه ضباع العالم.

القدس العربي

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist