صحيفة العرب القطرية
في الهجمات الأخيرة على الأراضي السورية، في بداية 2013، أعلنت القيادة السورية بأنها ضاقت ذرعا بالهجمات المنسوبة لإسرائيل وأنها سترد. وبالفعل منذ مايو 2013 لم تهاجم إسرائيل أهدافا لحزب الله داخل الأراضي السورية. وكان آخر هجوم نفذته إسرائيل ضد قافلة سلاح لحزب الله في فبراير من العام الحالي، ووقع داخل الأراضي اللبنانية بالقرب من الحدود السورية. وفي ذلك الوقت رد حزب الله بسلسلة عمليات في هضبة الجولان. لكن الهجوم الأخير على أهداف عسكرية داخل سوريا، يوحي بأن إسرائيل دحرجت المعضلة أغلب الظن إلى حجر الأسد: فهل سيتجلد أم سيرد. ويمكن الافتراض بأنه إذا ما قرر الرد، فهذا لن يحدث من خلال إطلاق الصواريخ والمقذوفات الصاروخية نحو إسرائيل، لكنه سيرد بنموذج أكثر تواضعا مثل العمليات على طول الحدود أو ضد أهداف تدفع إسرائيل إلى التفكير مرتين في المستقبل.
ومنذ الآن يزداد السوريون غضبا مما يسمونه «المساعدات اليومية» التي تقدمها إسرائيل لمحافل المعارضة في سوريا. وليس صدفة أنهم ربطوا أمس في بيانهم الهجوم الجوي بالمساعدة التي تقدمها إسرائيل للثوار في حربهم ضد نظام الأسد. فهل سيكون الهجوم الأخير القشة التي ستقصم ظهر البعير السوري وستسكن الحدود؟ ولنلق نظرة على ما قاله الخبراء العسكريون عشية الهجوم – إذا كانت إسرائيل وقفت خلفه– والذين قدروا بأن الأسد سيفضل الامتناع عن إشعال الحدود وذلك لأن الثمن الذي سيدفعه سيكون باهظا. ولكن التقديرات الاستخبارية في كل ما يتعلق بما يجري في عقول الزعماء العرب صحيحة بنسبة %50.
ما يمكن أن يصد سوريا عن توجيه أي رد فعل هو حقيقة أن السوريين يعرفون جيدا ما هي الأهداف التي تمت مهاجمتها في أراضيهم ويعرفون أيضاً ما هي الخطوط الحمراء لإسرائيل، ففي الماضي وجهت لهم إسرائيل رسائل سرية بشأن هذا الموضوع، وقال وزير الدفاع موشيه يعلون علنا: إن المس بالسيادة الإسرائيلية، ونقل سلاح كيميائي إلى لبنان ونقل سلاح نوعي إلى حزب الله، هي أمور تعرض «التفوق العملياتي الإسرائيلي» للخطر.
لكن الهجوم المنسوب لإسرائيل، يدخل أغلب الظن في تعريف اجتياز الخطوط الحمراء في مجال السلاح النووي، إن عملية استيعاب السلاح محطم التفوق العملياتي داخل منظمة حزب الله يتشكل من أربعة فصول. الأول هو وصول السلاح إلى لبنان. ففي كل أسبوع ترسو في مدينة طرطوس سفينة سلاح روسية تنقل سلاحا إلى الجيش السوري، وتصل كمية من هذا السلاح إلى حزب الله. كما أن الإيرانيين يبعثون إلى حزب الله بالسلاح في رحلات جوية دائمة إلى المطار في دمشق. لكن إسرائيل تمتنع عن تلك الشحنات لأسباب سياسية.
أما الفصل الثاني فهو المتعلق بالتدريب على السلاح الذي ينقل إلى رجال حزب الله على الأراضي السورية، بينما الفصل الثالث هو مرحلة التخزين في سوريا، في حين أن الفصل الرابع هو مرحلة نقل السلاح من سوريا إلى لبنان، وبحسب ما تنشره التقارير الصحافية فإن إسرائيل قد شنت حتى الآن سبع هجمات على الأراضي السورية، تمت في الفصول الثلاثة الأخيرة.
أحد الأماكن الأكثر حماية في سوريا اليوم هو مطار دمشق، الذي يدافع عنه نظام الأسد بشراسة– وهو سيسقط في نهاية المطاف، وعليه فإن قسما لا بأس به من مخازن سلاح حزب الله توجد في نطاق هذا المطار. الهجمة التي قامت بها إسرائيل استهدفت مخازن من هذا النوع. يميل حزب الله إلى محاولة تهريب السلاح في الشتاء، في ظل الأجواء العاصفة، والتي يعتقد الحزب أنها ستصعب العثور على القافلة. إضافة إلى ذلك، فإن حزب الله مضغوط أكثر مما في الماضي لنقل العتاد من سوريا إلى لبنان، في ضوء الإنجازات التي حققها الثوار مؤخرا في المعارك ضد المنشآت العسكرية للجيش السوري، مما يثير الخوف من أنهم سيصلون أيضاً إلى مخازن حزب الله.
يحتمل أن يكون أحد ما فكر في محاولة تسخين الحدود في شمال إسرائيل، من أجل خلق أجندة سياسية للانتخابات القريبة القادمة؟ هذا بالتأكيد ليس أمرا مناسبا لوزير الدفاع موشيه يعلون، وهناك شك بأن هناك رجلا عسكريا يشترك في هذا النوع من الأحداث، أي محاولة خلق وضع عسكري يمكن أن يساعد أحد الأحزاب السياسية في إسرائيل. فضلا عن ذلك، لا ينبغي استبعاد إمكانية أن يكون إقرار حملة من هذا النوع قد اتخذ على المستوى المبدئي قبل الإعلان عن الانتخابات، وبشكل عام فإن الجيش هو الذي يعرض الأهداف، التهديدات والخطط الملموسة، والقيادة السياسية، هي التي تصادق أو ترفض. إن موعد تنفيذ العمليات تمليه التطورات الاستخبارية والقدرات العملياتية. أما مجلس الوزراء فتنقصه الفاعلية هذه الأيام، فقد غادر ثلاثة من أعضائه – تسيبي لفني، يئير لبيد ويعقوب بيري (الذي كان مراقبا). مغادرة هؤلاء الوزراء أخل بتوازن المجلس وبات يسكنه المتشددون: نتنياهو، يعلون، ليبرمان، بينيت، وأردان، وأهارونوفيتش.هذه هي المجموعة التي يتعين عليها أن تبدي اليوم ضبط النفس في اتخاذ القرارات. أما يعلون فملزم اليوم بيقظة خاصة: ألا يسمح لأحد أن يستخدم جهاز الأمن بشكل غير مسؤول.