لحظة إعلان ركوب القارب أحس “محمد نور” بالذعر فقرر الرجوع للوراء على أن يجعل نفسه وجبة لأسماك البحر المتوحشة، لكنه تراجع عن ذلك وعزم للمضي قدما بحثاً عن حياة أخرى تشبه الحياة التي يحلم بها في محاولة للهروب من أوجاع الحرب في سوريا وبحثا عن الأمان المفقود.
يشتكي السوريون من استغلال وغش المهربين الذين يتقاضون أجورا مرتفعة، مما يدفع العائلات البسيطة للهجرة على دفعات ناهيك عن فقد الكثير حياتهم ثمنا لأحلام لم تتحقق بالأصل.
لجأ الشاب محمد (19 عاما) مع والده إلى ألمانيا، تاركين وراءهم من تبقى من عائلتهم على أمل اللقاء بأقرب وقت، فالرحلة مكلفة ولا يمكن تأمين تكلفة الرحلة للجميع مع غياب فرص العمل وتدهور الوضع المادي، وبعد الوصول لبرّ الأمان بفرحة يمزجها الحزن، فباقي أفراد العائلة ما زالوا بعيدين يعيشون تحت مرمى النيران.
بكلمات مرتجفة أخبرنا محمد قائلاً “بين ظلمة الليل وظلمة البحر، دقائق حسبناها ساعات، تسلل الخوف إلينا وتوقف القلب عن الخفقان، لحظة وصولنا منتصف البحر، دموع تنسكب بغزارة لم تتوقف لحين وصولنا، غمرت السعادة كل من كان في تلك الرحلة وحمدوا الله على النجاة”.
شادي (20عاما) هاجر إلى هولندا على أمل استكمال دراسته والهروب مع أهله بعيداَ عن الحرب المشتعلة، عاش لحظات مميتة على حسب تعبيره قائلاً “طلعنا بنص الليل بالبحر وكنا كتير خايفين والأطفال عم يبكو وها لشي وترنا كتير، عددنا كان أكبر من أنو نحرك إيدنا أو رجلنا لأن أي حركة بتعرضنا للخطر.. لسوء الحظ تعطل المحرك وبقينا بالبحر 3 ساعات ننتظر المساعدة، والمهرب ما جاب لإلنا سترات نجاة مع إنه أخد ثمنها غشنا وحطنا تحت الأمر الواقع واضطرينا نطلع بدونهم، وبقينا على ها لحال حتى حظينا بالمساعدة والنجاة”.
“عبد الله الكردي” الناجي الوحيد من عائلته، لم يبتلعه البحر كما فعل بزوجته وطفليه، إنما تركه وحيدا يصارع ألم الفقدان، وخلال رحلته بدأت الأمواج تتلاطم لتكون الموجة الثانية هي القاضية على حلم بالعيش بسلام، سقط كل من على القارب وكل حاول إنقاذ عائلته ولكنه فشل رغم محاولاته المتكررة.
يصف ما حدث بعد ذلك والدموع تشق طريقها من عينيه ليكتوي فؤاده بتذكر ذلك اليوم قائلاً ” فقدت في البداية ابني “غالب” الذي كان بين يدي، ثم الأصغر حتى زوجتي كانت تحاول إنقاذهما دون جدوى.. ماتت زوجتي هي أيضاً وبقيت وحيدا”.
حلم الغربة بات وجعاً وألماً وربما عند البعض مازال أملاً للحياة الكريمة والأمان المفقود وسط زحام السياسات المتبعة والصراعات الدامية على أرض حكم على أهلها بالموت بالتزامن.
المركز الصحفي السوري_ نسيم دهنة