العرب رانيا مصطفى
اتفاقية توسيع قاعدة طرطوس فيها رسالة إلى أميركا ودول أوروبا بأن تواجدها غير شرعي في سوريا، وأن عليها المغادرة، وروسيا هي من يحق لها التمتع بالنفوذ في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط.
صادق مجلس الدوما في آخر أيام العام الماضي، على مشروع الاتفاقية المبرمة بين موسكو والنظام السوري بشأن توسيع القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس. نصُّ الاتفاقية سينشر في 20 الشهر الجاري، لكنّ المسؤولين الروس يعلنون تفاصيله باعتباره متمِّما لسلسلة الانتصارات، التي يقول بوتين إنه أنجزها في سوريا، قبيل خوضه معركته الانتخابية المقبلة.
تأسست قاعدة الدعم التقني في طرطوس منذ العام 1971 بموجب اتفاق بين سوريا والاتحاد السوفييتي، واقتصر استخدامها من قبل الأسطول البحري السوفييتي كنقطة توقف مؤقت للتصليحات والتزوّد بالمؤن. الاتفاقية الأخيرة تقضي بتوسيع القاعدة لتصبح قاعدة بحرية عسكرية متكاملة ودائمة، تشبه قاعدة حميميم.
تسمح الاتفاقية بتوسيع نقطة الدعم التقني حتى 24 هكتارا، دون مقابل، لتوسيع نشاط الأسطول الروسي، وتسمح لروسيا كذلك باستخدام المنشآت لنقل الأسلحة والذخائر، لتنفيذ مهامها التدميرية في الداخل السوري. وكذلك تُحمّل الاتفاقية الحكومة السورية مسؤولية أمن عسكرييها وظروف معيشتهم، وتمنحهم الحصانة المالية والقضائية والامتيازات الجمركية، بحيث لا يخضعون للتفتيش من قبل سلطات الجمارك السورية.
ويسمح الاتفاق بوجود 11 سفينة حربية روسية في مرفأ طرطوس في آن واحد، حتى السفن التي تعمل بالطاقة النووية. ولا يحق لممثلي السلطات السورية زيارة القاعدة دون موافقة قائدها. أما مدة الاتفاق فهي 49 سنة، تمدّد تلقائيا 25 عاما إضافيا. وفوق ذلك اقترح مجلس الدوما الروسي إنشاء قاعدة ثالثة خاصة لاستجمام العسكريين الروس العاملين في الأراضي السورية.
الغاية من هذه الاتفاقية قبل كل شيء هي تعزيز التواجد الروسي في المتوسط وعموم منطقة الشرق الأوسط، لتكون الأراضي السورية منطلقا لتحكم أكبر في المنطقة، وتقوية النفوذ الروسي في مصر والخليج، وكذلك تعميق العلاقات مع إسرائيل، وذلك رغم تصريحات الروس بأن هذه القاعدة أُنشئت لغاية إدارية، ولأغراض دفاعية بحتة وليس لاستهداف دول أخرى.
وتهدف الاتفاقية أيضا إلى قوننة التواجد الروسي على الأراضي السورية، كونه أتى بموافقة وطلب النظام السوري.
روسيا تتمسك بالنظام لأنها ترفض أي تغير جوهري فيه؛ فهو، وبسبب تدخلها، مازال ممسكا بكل مفاصل الدولة، خاصة الأمنية والاقتصادية، والتي تحتاجها للسيطرة على المجتمع السوري وعلى ما تملكه الدولة والشعب من مقدرات.
ليس النظام وحده من يشرعن الاحتلال الروسي، بل والمعارضة أيضا، العسكرية منها والسياسية المكرّسة؛ وكل من وافق على الذهاب إلى مؤتمرات أستانة وسوتشي وحتى جنيف، دون شروط مسبقة، خاصة في ما يتعلق بدور بشار الأسد المستقبلي. فضلا عن تخليها عن شروط تعتبر فوق تفاوضية مثل ملفّ المعتقلين السياسيين لدى النظام، وتركه ليتلاعب به سماسرة الحرب، عبر ما يُسمى مصالحات وطنية.
تسعى روسيا إلى إخضاع الفصائل، عبر تمكّنها من السيطرة على المزيد من الأراضي السورية، وتدعيم تواجدها العسكري وإكسابه الشرعية. هذا ما دفع العديد من الفصائل العاملة في الغوطة وإدلب وريفي حمص وحماة، إلى قبول مفاوضة الروس مع بقاء النظام، باعتباره أمرا واقعا.
اتفاقية توسيع قاعدة طرطوس فيها أيضا رسالة إلى أميركا ودول أوروبا بأن تواجدها غير شرعي في سوريا، وأن عليها المغادرة، وروسيا هي من يحق لها التمتع بالنفوذ في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط.
إضافة إلى أنها تريد فرض سطوتها على حليفها الإيراني، بعد أن حدّت من نفوذه في حمص والبادية، لقطع خط إمداد الغاز الإيراني، المنافس للغاز الروسي، عبر سوريا إلى السواحل اللبنانية ثم أوروبا.
بوتين، يريد تدعيم تواجده العسكري في سوريا بالمزيد من القواعد العسكرية؛ فهو ضمن دعايته الانتخابية، يَعِدُ شعبه، الذي يعاني من آثار العقوبات والأزمة الاقتصادية التي تعيشها روسيا، بجني ثمار التواجد العسكري في سوريا والتضحيات التي قدّمها الجنود الروس لذلك.
هذه الثروات التي يطمح الروس بجنيها، ربما القصد منها ملفّ إعادة الإعمار، والذي سيديره النظام ومن خلفه الروس. وبالتأكيد ستكون مشاريع الإعمار ريعية، تعود أرباحها إلى البنوك الروسية وجيوب المستثمرين. لكن الإقبال على هذه المشاريع من الدول المتوقع أن تكون مستثمرة، أي الصين ودول الخليج العربي وأوروبا، لا يزال مرهونا بشروط عدّة أهمها قدرة روسيا على تحقيق الاستقرار.
الروس يسعون إلى هذا الاستقرار بتكثيف القصف على مناطق المعارضة، حتى تلك التي قَبِل قادتها بمفاوضتهم في جنيف وأستانة، وترسيخ التواجد العسكري عبر إنشاء المزيد من القواعد الضخمة، وليس لديهم مخططات حقيقية للقيام بنهضة عمرانية أو مشاريع إنمائية تحقق بعض مطالب الشعب.
التواجد الروسي سيحمي مشاريع النهب الإضافية التي ستُفرض على الشعب، ليزيد من معاناته وإفقاره بسبب ممارسات النظام والمستفيدين منه، قبل الثورة وخلالها، ومعاناتهم من تفشي الفساد ضمن دوائر النظام المهترئ؛ فقد وصل الشعب كله، حتى من الموالين منه، إلى قناعة بأنه من المستحيل إصلاحه.
هذه المعاناة الشعبية ستشكل تهديدا حقيقيا للتواجد الروسي في المستقبل، ومن الطبيعي والمتوقع أن تنشأ قوى مقاومة للاحتلال الروسي، بأشكال جديدة تختلف عن الفصائل المسيطرة حاليا، ستهدد حالة الاستقرار التي يسعى الروس والنظام إلى فرضها بالطائرات والبراميل المتفجرة.
هذا عدا عن رفض جزءٍ لا بأس به من الفصائل الحالية للاحتلال الروسي؛ فمنذ أيام تم تدمير طائرات روسية بصواريخ غراد، أطلقتها الفصائل العاملة في جبال الأكراد في ريف اللاذقية الشرقي، على قاعدة حميميم الروسية، والتي زارها منذ أيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا.