سنوات الثورة السورية مع ما حملته من قتل وتدمير، كانت كفيلة بتدوين أرقام هائلة في أعداد القتلى والجرحى والنازحين والمشردين، ومما رفع حصيلة تلك الأرقام، استخدام نظام الأسد لأسلحة فتاكة ومدمرة ضد المدنيين.
تستهدف طائراته ومدفعيته – متعمدة – التجمعات السكنية، والمرافق العامة، والمراكز الحيوية من أفران ومدارس واسواق، لتحصد أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى دفعة واحدة، عدد كبير من أولئك الجرحى ترافقهم إصابتهم مدى الحياة، إذ يتعرضون لإعاقات دائمة، أو بتر في الأطراف.
الإعاقات الدائمة تركت ألماً كبيراً لدى المصابين، وحمّلت المرافق الصحية عبئاً يفوق طاقتها، إذ أن نوعية الإصابات وأعدادها لم يكن متوقعاً، في ظل تدهور القطاع الصحي في مناطق سيطرة المعارضة السورية.
شهدت سوريا تصعيداً خطيراً في نهاية سبتمبر 2015، مع التدخل الروسي، حيث استخدم أسلحة فتاكة ومحرمة دولياً، فاستخدم القنابل العنقودية، والنابالم الحارق بشكل مفرط، متجاوزاً القوانين الدولية، التي من شأنها حماية الشعوب أثناء الحروب، وتمنع استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، تمادت روسيا في إجرامها بحق الشعب السوري، فاستخدمت – ولأول مرة – قنابل فوسفرية.
وثقت مديرية صحة حماة عشرات الحالات الذين تعرضوا لـ “الإعاقة الدائمة”، غالبيتهم من المدنيين، وذلك نتيجة تعرضهم للقصف، بعضهم أصيب بشلل نصفي أو كلي، وعدد منهم تعرض لحالات بتر في الأطراف العلوية أو السفلية، فضلاً عن الإعاقات العصبية والحروق.
المهندس صهيب الوحيد، رئيس دائرة الإحصاء والتوثيق في مديرية صحة حما، قال لمراسل “أمية برس” في ريف حماة “تستقبل المستشفيات الميدانية والمراكز الصحية التابعة لمديرية صحة حماة ما يقارب 1450 جريح حرب شهرياً ، بشكل متوسط، حسب الحالة الأمنية والقصف على المناطق”.
وأضاف المهندس الوحيد أن “مستشفيات حماة وثقت منذ اندلاع الثورة السورية أكثر من 85500 جريح، بداية بالأعيرة النارية ومروراً بالقذائف وصواريخ الطائرات والبراميل المتفجرة والقنابل المحرمة دولياً كالقنابل العنقودية ، وتم إحصاء ما يقارب 1586 حالة بتر لأطراف علوية وسفلية ، وعشرات حالات الإعاقة الدائمة”.
“الأعداد الضخمة التي تستقبلها المستشفيات بشكل مستمر، جعل التعامل مع تلك الأرقام الضخمة أمراً صعباً للغاية، وخصوصاً مع شح المواد الطبية الواصلة، وخصوصاً مواد الاستهلاك اليومي في الإسعاف وتبديل الجروح وحتى الأدوية والمواد التي تستخدم في غرف العمليات “، وفق المهندس الوحيد.
“الإعاقات الدائمة” للمدنيين في سوريا، تجعل أصحابها وذويهم أمام مخاوف من حياتهم الجديدة، وتأمين متطلبات الحياة، فضلاً عن مخاوف من مستقبل مجهول.
فؤاد الخليل من أبناء ريف حماه الشمالي، أصيب قبل 3 سنوات بقصف لطائرات النظام على أحد كراجات النقل العمومي في مدينة كفرنبل ، ما أدى لإصابته بالشلل بعد دخول شظية داخل إحدى الفقرات في عموده الفقري ، يعاني فؤاد من ضغط نفسي كبير، إذ يواجه صعوبة في تقبل وضعه الحالي ، وتأمين مصاريف عائلته المكونة من 4 أطفال وزوجته.
يقول فؤاد: ” تعرضت لإصابة في العمود الفقري منتصف عام 2012 ، تسببت بإصابتي بالشلل النصفي الدائم ، أشعر بضغوط كبيرة فعائلتي بحاجة لمن يعيلها، وأنا عاجز لا أستطيع تقديم شيء لهم “.
بتول وجواهر أبو زيد، من قرية الجبين بريف حماه الشمالي ، أصيبتا بقصف بالقنابل العنقودية من الطيران الروسي على مخيم للنازحين بمنطقة الشيخ مصطفى بريف إدلب الجنوبي في 30 ديسمبر 2015، تسبب القصف ببتر إحدى الأطراف السفلية للطفلة جواهر، البالغة من العمر 9 سنوات ، أما بتول التي تبلغ من العمر 8 سنوات ، فقد أدت إصابتها لبقائها شهور على سرير الشفعا، وأجري لها عدة عمليات جراحية.
يقول والد الطفلتين: ” بعد القصف بالطيران الروسي ، أصيبت الطفلتين إصابات خطيرة في أطرافهما السفلية وبعض أنحاء الجسم، تعرضت إحداهما لعوامل نفسية جعلتها في حالة بكاء دائم وخوف شديد ، بعد رؤية أشلاء الجرحى بجانبها ومعايشتها لحالة الخوف في لحظات القصف “.
وتبقى المؤسسات الطبية والإنسانية أمام تحديات ومهام تفوق قدرتهم، لمواجهة الأعداد الكبيرة من الجرحى، في ظل استمرار القصف، وتزايد أعداد الجرحى يوماً بعد يوم.
أمية برس- ابراهيم الشمالي