ليس “عمران دقنيش وإيلان الكردي” وحدهما اللذين تعرضت طفولتهما للإرهاب و القتل والاعتقال والاحتجاز التعسفي والتعذيب والحصار والتجنيد والاختفاء القسري والعنف الجنسي واللجوء والحرمان من التعليم و الحرمان من ضروريات الحياة وغيرها من الانتهاكات التي تصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية في حق أطفال سوريا، وجرائم حرب وكلها خرق للقانون الدولي الإنساني ولقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
فقد أكدت تقارير عدة منظمات حقوقية وأممية ومنها منظمة يونيسف التابعة لـ الأمم المتحدة أن ما بين أربعة إلى ثمانية ملايين طفل، أي أكثر من 80% من الأطفال في سوريا، تأثروا بسبب النزاع، سواء من بقوا داخل سوريا أو من أصبحوا لاجئين خارجها، ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تعرض مالا يقل عن 7457 طفلا للتعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة للقوات الحكومية، وذلك منذ مارس/آذار 2011 وحتى مارس/آذار من العام الجاري.
فالعالم الذي يسمي نفسه حرا ومتقدما وإنسانيا يتعاطف مع أطفال انتشرت صورهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أولا، ثم الإعلام العالمي ثانيا- دفعا للحرج الذي ورطتها فيه السوشيال ميديا- وتتناسى أن غالبية أطفال سوريا يعانون ويلات الحرب بأشكال مختلفة وطرق متنوعة كلها اتفقت على حرمانهم من طفولتهم وتحويل الأحياء منهم غصبا إلى مرحلة الشباب والرجولة.
لاشك أن الغرب وغالب مؤسساته الرسمية والمدنية والخيرية والحقوقية يمارس ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا العرب والمسلمين من بورما إلى البوسنة والهرسك، فتحركاتهم البطيئة في وقف شلال الدم في سوريا وغيرها من الأماكن بالعالم دليل على أن شعار الأمم المتحدة التي رفعته بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني في كل 19 أغسطس/اب : “إنــسـانـيـة واحــــدة” ، شعار فارغ لا معنى له، والوقائع التي يعرفها العالم من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان من دول ترفع صوتها دائما بوجوب الحفاظ على قيم حقوق الإنسان ومبادئه، وأن حضارتها حضارة إنسانية هدفها خدمة الإنسان وحماية حقوقه كيفما كان فكره ودينه وعرقة ولغته، تدل على أن قولها في واد التلميع الإعلامي، وأفعالها في واد فعل كل شيء يخدم مصالحهم ولوكان على حساب الإنسان والإنسانية، في مسار يعاكس تماما الشعار الذي رفعته الأمم المتحدة والتي أصبحت منبرا للتصريحات وعبارات القلق والحزن والأسف والإدانة، وسلطتها تطال الدول الضعيفة والتي لا حامي لها، ومقرها والمؤسسات والمنظمات التابعة لها ما هي إلا جزء من الخارجية الأمريكية وباقي دول الدائمي العضوية بها.
لم يبك “عمران الحلبي”، لأن ضغط الحرب وجميع أشكال القصف والتدمير والتقتيل التي يعيشها أطفال سوريا، أصبحوا معها لا يخفون من صوت الطائرات الحربية بأنواعها أو يختبئون منها، بل يهرولون من أجل النظر إليها وتحديد نوعها وشكلها ونوعية الأسلحة التي تحملها، وهل هي تابعة للنظام المجرم أم لروس المحتلين، وأي حارة يمكن لهذه الطائرات أن تصب عليها حممها البركانية.
إن جثة “إيلان الكردي” حكت لنا قصة هارب من الموت إلى الموت، قصة جيل يهرب من وطنه مرغما حفاظا على حياته وبحثا عن حياة عند دعاة الإنسانية، التي سرعان ما افتضح زيف شعاراتهم ودعواهم لها، وكاد الاتحاد الحلم” الاتحاد الأوروبي” أن يتفتت – إن لم نقل قد بدأ بذلك بخروج بريطانيا منه- بسبب موجة من اللاجئين والمهاجرين، ظنوا أن الغرب صادقا في دعواه في حماية الإنسانية وحقوقها.
أما صمود “عمران دقنيش” أو الصدمة التي عاشها على كرسي سيارة الإسعاف قبل أن يظهرا والديه ويبدأ في البكاء، فقد حكت لنا قصة من ولد في الموت، فكادت فطرة “حب الحياة” عنده أن تنقلب إلى استئناس بالموت وتعايش معه.
أطفال الثورة السورية يولدون بها ويستشهدون من أجلها، فحازوا الفضل مرتين:” فضل الانتساب إلى الثورة الشامية” و”فضل الشهادة بسببها”.
الحقيقة أن عمران نجا من تحت الركام، وترك الضمائر والإنسانية الغربية تحت ركام اللامبالاة والنفاق، حينما يدع إعلامها أنه لا يعرف من قصف بيت الطفل عمران وحيه.
عمران وإخوانه وأبناء حيه، وأبناء وطنه بالداخل السوري وخارجه، فضحوا الشعار الأممي: “إنسانية واحدة” وأكدوا أن الإنسانية إنسانيتين : إنسانيتهم وإنسانيتنا، أطفالهم وأطفالنا، ديمقراطيتهم وديمقراطيتنا…القضية تشابه أسماء فقط، أما المعاني والوقائع فهي مختلفة في كلتا الوصفين كالمستقيمين متوازيين، لا يلتقيان أبدا، هذه الحقيقة لا ينكرها تاريخهم وحضارتهم وحتى ما يخرج من أفواههم في كل مرة يضيق صدرهم بها.
حاصل الأمر في تدوينة سورية يقول صاحبها: (أحتاج لآلاف الكلمات لأعبر عن صمودك الأسطوري “ياعمران” في مواجهة القوي العالمية، وشجاعتك التي مرغت وجوه الحاقدين بنظراتك الثاقبة، وكشفت زيف ادعاءهم الإنسانية، بشموخك على كرسي البراءة الابية، والصامدة المؤمنة بعدالة قضيتها، فلن تسقط “ثورة” أطفال ثوار، ولدوا بها وفيها ولها).
المركز الصحفي السوري- مولاي علي الأمغاري