عادات شعبية كثيرة تمثل تراث وحضارة سوريا وهويتها الثقافية ساهمت الحرب بدثر معظمها لأسباب اقتصادية واجتماعية وغيرها، إلا أنها دفعت بالمقابل لإحياء عادات ووسائل أخرى كانت على وشك الاندثار بعد التطور الحاصل الذي مالبث أن تراجع خلال السنوات الخمس الماضية.
ومن هذه الوسائل ” ببور الكاز” فلا يكاد يخلو بيت سوري من وجوده بعد ارتفاع سعر اسطوانة الغاز لتصل إلى 7500 ليرة سورية في المناطق المحررة، و”لمبات الكاز” للإضاءة بسبب انقطاع الكهرباء وانعدامها في معظم المناطق، وغيرها من الوسائل.
أظهرت نساء سوريا إبداعاتهن وابتكاراتهن في أمور عدة من خلال تدوير الأشياء القديمة أو غير الضرورية لإعادة تصنيعها بما يفي بالحاجة إليها، فقد قمن مجموعة منهن في ريف دمشق بحياكة سترات شتوية من الأغطية التي تقدمها إليهن الأمم المتحدة ليقهرن بها برد الشتاء ليكون شعارهن دوما “الحاجة أم الاختراع”.
ونظرا لارتفاع أسعار الملابس الجاهزة والشتوية على وجه الخصوص عادت ظاهرة “شغل الصوف” اليدوي باستخدام “السنارتين” بعد غياب طويل، وهنا يكمن إبداع السيدات في التفنن بالحياكة لتخرج من بين أيديهن قطعا فنية لتضاهي بجودتها الألبسة الجاهزة.
أم علي من مدينة ادلب تقول:” مع بداية كل شتاء أقوم بحياكة ملابس صوفية لأطفالي كونها تعطيهم الدفء أكثر من الملابس الجاهزة، لكن هذا العام بلغ سعر ” كبكوبة” الصوف 400 ليرة سورية فلجأت لحيلة بسيطة أذهب كل أسبوع لسوق “البالة” وأشتري قطعا صوفية قديمة بسعر رمزي وأقوم بنسلها وإعادة صنعها بما يتناسب مع حاجة أطفالي”.
يتطلب شغل الصوف وقتا وتركيزا بالإضافة للجهد مما زاد من انتشار “الماكينات” الآلية لازدياد الطلب على الألبسة الصوفية، فسارعت بعض النساء لاقتنائها لتكون في بيتها مصنعا مصغرا يؤمن لها ولعائلتها مصدر رزق يساعدهم في الظروف المعيشية الصعبة.
نساء وفتيات من مختلف الأعمار جمعهن حب التعلم، التقين في مركز تدريبي في إحدى قرى ريف ادلب ليتعلمن مهنة الخياطة وفن التطريز “وشغل المخرز” بالإضافة لورشات الدعم النفسي التي باتت ضرورية لتعزيز ثقتهن بأنفسهن، فسنوات الحرب كانت كفيلة بإحباطهن وزيادة معاناتهن.
تتحدث راما عن تجربتها في المركز:” بعد أن وصلت للسنة الثالثة في كلية الزراعة، أجبرت على ترك جامعتي في حلب بسبب عدم قدرة عائلتي على تأمين مصاريفها المكلفة، فشعرت بالإحباط والفشل، لكن اختلف الوضع تماما عندما بدأت بارتياد المركز، أصبحت اجتماعية أكثر فالمتدربات هن عائلتي الثانية وتجمعنا علاقة طيبة، وذلك إلى جانب تعلم الخياطة حيث امتهنتها عن رغبة وقمت بخياطة ملابس لجميع إخوتي”.
لازال الأمل يعرف طريقه إلى قلوبهن ليحولن الفشل والإحباط لتفاؤل مكلل بالنجاح، فبإصرارهن وإرادتهن القوية استطعن التغلب على ظروف الحياة القاهرة ليكن دوما قدوة لعائلاتهن وأطفالهن رغم ثقل مسؤولياتهن التي فاقمتها الحرب ليطبقن شعارهن “لا يأس مع الحياة”.
المركز الصحفي السوري ـ سماح خالد