حرب المخدرات في الأردن: ما هي الأسباب والخلفيات، وما هي الرسالة بصورة محددة؟
ثمة رسالتان على الأرجح، الأولى مهنية وأمنية والثانية سياسية بامتياز، وراء إطلاق تسميات ذكية وهادفة إلى حد كبير في بيانات الأمن العام الأردني التي تمارس الإفصاح، وهي تتحدث للجمهور وتبلغ ضمنياً بقية المؤسسات بأن حالة الاشتباك الأمنية بدأت فعلاً ولأول مرة منذ سنوات طويلة في محاولة لتبديد الصمت والمواجهة مع تجارة المخدرات حصرياً.وفق القدس العربي .
وهي تجارة حيتان ونافذين بكل معاني الكلمة أصبحت الهمّ الشاغل للسلطات الأردنية منذ عدة سنين، وخطر المخدرات يزيد بشكل غير مسبوق بعد تحولات عميقة وجذرية في ملامح وهوية هذا الخطر الذي أصبح عابراً لدول الإقليم والجوار، لا بل مستقراً في الأردن، وفقاً لما سبق أن أعلنته القوات المسلحة الأردنية. وهنا لا بد من الإشارة إلى توصيات وتقارير خاصة ودبلوماسية تصل الأردنيين من عواصم ومؤسسات أمريكية وغربية بدأت تمس سيادياً بسمعة الأردن وأمنه القومي، ولها علاقة بـ»مركز نشاط» في مجال المخدرات عبر البلاد لا بد من وقفه.
لا يتعلق الأمر إطلاقاً بمجرد حملة أمنية روتينية اعتيادية، فالغطاء السياسي والمرجعي متوفر بوضوح لحملة استئصال واجتثاث؛ بمعنى التوقف عن التردد ونفض الغبار عن مساحات من التردد البيروقراطي كانت بارزة في الماضي بعدما أصبح الخطر مهدداً للمصالح السياسية إقليمياً هذه المرة، ومنتجاً في تغيير بعض المعطيات التي تؤشر على مخاطر تجارة المخدرات.
الرسالة الأمنية
في الرسالة الأمنية استعادة هيبة القانون على أو في مضمار مكافحة المخدرات أصبح ضرورة ملحة، لا بل هو جزء من استراتيجية استعادة هيبة الدولة، حيث إن التغاضي عن المخدرات تحديداً وعدم إدراك مخاطرها وقلة الاشتباك معها كان قبل عقود وسنوات طويلة من السياسات المتبعة. وحيث إن الاشتباك – وهذا الأهم سياسياً – تحت عنوان استعادة هيبة الدولة اليوم في مواجهة تجار الموت، كما تصفهم بيانات الأمن العام- يعني مطلقاً أن بقية بعض الملفات المسكوت عنها تحت اعتبارات أمنية تنتمي للماضي في الواقع، وقد تقفز إلى الطاولة مجدداً، وهي الملفات التي كانت تثير حيرة المواطنين والرأي العام عموماً تحت عنوان استعادة هيبة الدولة.
ذلك لا يعني إلا أن الحملة الحالية والمكثفة جداً هي في مواجهة أوكار المخدرات وتجارها من الرؤوس الكبيرة بالمناسبة هذه المرة، وليس من الموزعين وصغار المتاجرين، لكن الملف القادم في الطريق هو الأمن المائي والتعامل مع من سمّاهم وزير المياه الحالي محمد النجار يوماً بلصوص المياه، الذين يديرون عملية ضخمة في الاعتداء على مياه الأردنيين لكن خارج شرعية القانون. نشاط جهات إسرائيلية في مجال المخدرات في الجوار، وآخر المعطيات تتحدث عن الضغط أردنياً على قائد مهم في سوريا هو ماهر الأسد؛ لتخفيف حدة التسلل وإظهار مرونة من الأسد الشقيق وسلطات الجيش السوري نتج عنها ضبط ملايين من حبوب الكبتاغون.
وسبق لمديرية الأمن العام أن أعلنت الحرب على ظاهرة الزعران والبلطجية قبل نحو عامين بعد حادث درامي معروف في مدينة الزرقاء، وكانت الحملة جدية جداً، وصفق لها الشارع الأردني بامتياز، لا بل انتهت باحتواء ظاهرة كانت متنامية واستعادة هيبة القانون وتشكيل نمط من التقاليد الجديدة يشجع الأردنيين على الإبلاغ عن حالات الاعتداء على حقوقهم تحت ستار البلطجة أو الأشقياء، كما يصفهم القانون، والأشرار.
حملات أمنية مكثفة
لقراءة تقريرحول سرقة أملاك السوريين في حلب اضغط هنا .
واليوم يستيقظ الأردنيون مع حالة تصفيق غير مسبوقة بالمناسبة لحملات أمنية مكثفة بعد ما أصبحت الشكوى من رواج الحبوب المخدرة، خصوصاً في المحافظات والأطراف وحتى في مخيمات اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وفي أوساط الطبقة الوسطى في عمان العاصمة، والمدن الكبرى مثل إربد والزرقاء، ظاهرة لم يعد من الممكن لا احتمالها ولا الصبر عليها ولا التعاطي معها بسبب اتساعها وعمقها، وفقاً لآليات الماضي.
ومن هنا، على الأرجح اتخذ القرار والإثارة تبلغ ذروتها بالحديث عن رؤوس كبيرة باتت مطلوبة، لا بل بعض تلك الرؤوس يستند إلى شبكة علاقات لشخصيات نافذة في المجتمع وبعض دول الجوار تحت ستار علم السلطات المسبق ومراقبتها الحثيثة لكيفية الاتجار بالمخدرات، لا بل لكيفية استقبالها سواء عبر الحدود مع سوريا أو غيرها، ثم تخزينها بأمان وانتقالها ليس إلى دول مجاورة كما كان يحصل في الماضي، لكن هذه المرة إلى عمق المجتمع الأردني.
الشكوى من المخدرات بدأت ترهق قادة وزعماء العشائر الأردنية، وفي الصالونات السياسية حديث متواتر عن قصور سابق من الحكومة والأجهزة البيروقراطية في الاشتباك مع النمو الكبير لهذه الظاهرة، والمسألة دخلت في سياق الاستحقاق السياسي بمجرد إعلان الحرب على مجموعات منظمة ومسلحة بعضها قيل إنه يوالي إيران وأطرافاً لبنانية اجتهدت في تهريب كميات من المخدرات بالتسلل عبر الحدود مع سوريا قبل أن تعلن القوات المسلحة الأردنية التصدي لها والاشتباك معها.
الحديث اليوم يزيد في الأردن عن مزارع تخضع للمداهمة، وعن تعزيز إمكانات الإدارة المختصة بمكافحة المخدرات والتي تملك ميزة استخبارية وقيمة معلوماتية كبيرة تستخدم على نطاق العمليات، ويتم تشكيل قوى مكافحة وتصدّ وضبط تمثل غالبية الأجهزة الأمنية، والجديد تماماً في المسألة أن الإدارات البيروقراطية المسؤولة عن الأمن الداخلي لم تتجاوز الحساسيات الاجتماعية والمناطقية في الإعلان عن المناطق والبؤر التي يوجد فيها إما مزارع تخزن فيها مواد مخدرة أو نشاطات تختبئ خلف ستار المنطقة والمدينة والحي والعشيرة أحياناً. تلك الجرأة محسوبة لرجال الأمن العام، لكن صفحة جديدة تفتح في المواجهة والاشتباك ويتخللها الإقرار بحصول ووجود مفاجآت بالجملة تكشف النقاب عن النفود الذي حظيت به تجارة المخدرات في عمق المجتمع، وبالتالي الأضرار التي نتجت عن ذلك إما للناس أو للدولة.
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع