مع التدهور الحاد والمستمر في قيمة العملة اليمنية “الريال” أمام العملات الأجنبية والتي تجوزت 52% منذ بداية الحرب التي تشهدها البلاد منذ نحو ثلاث سنوات، تعالت أصوات مختلفة تحذر من مغبة تجاهل هذا الملف.
تحرك الجمود الرسمي اليمني وأثمر عن وعود سعودية، وفقا لبيانات صادرة عن الرئاسة اليمنية، بوديعة سعودية تبلغ ملياري دولار في فبراير عام 2017 وتكررت الوعود في نوفمبر من العام نفسه.
رحل 2017 وبدأ العام الذي يليه والوديعة السعودية لم تصل، وفقاً لما أكده مصدر في البنك المركزي اليمني لـ”الخليج أونلاين”، رغم أهمية الإسراع في إيداعها فالدولار الأمريكي سجل مستوى قياسياً أمام الريال بلغ 480 ريالاً.
وديعة سابقة
الوديعة السعودية الموعودة للبنك المركزي اليمني ليست الأولى، فقد أودعت المملكة مليار دولار أثناء تولي حكومة الوفاق ولا تزال عهدة على اليمن رغم إنتهاء فترتها، لكن سيطرة الحوثيين على البنك قبل نقله إلى عدن، ونهبهم لنحو 3.5 مليار دولار من الاحتياطي النقدي وفقاً لبيان رسمي للحكومة اليمنية أربك كل التعهدات أمام الداخل والخارج.
ولأن المرحلة حرجة جداً خصوصاً للمواطن اليمني الذي يتكبد آثار انهيار العملة، أثيرت تساؤلات عن سر التأخير السعودي في إيداع الوديعة أو ربما التخلف عن هذا التعهد بالمطلق.
يرى الصحفي اليمني شوقي الطليلي أن “الأمر بين ثلاثة احتمالات؛ الأول أن الجانب السعودي أخلف وعده أو ربما أجله بسبب الأزمات الداخلية التي يعيشها مؤخراً وخصوصاً فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، ورفع الدعم عن المشتقات النفطية، وزيادة الضرائب، وكذلك اعتقال أمراء ورجال أعمال لأسباب اقتصادية بحتة ربما يريد من خلالها النظام السعودي تغطية العجز الناتج الحرب التي يقودها في اليمن”.
وأضاف الطليلي في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “الاحتمال الثاني أن الحكومة اليمنية ليست بمستوى المسؤولية، ولم تتابع بشكل جاد ولم تتخذ الإجراءات اللازمة، خصوصاً وأن إدارة البنك المركزي اليمني عليها استفهامات كبيرة بشان أدائها بعد نقل البنك إلى عدن وفشلها في العديد الملفات”.
وتابع: “الاحتمال الثالث وهو الأرجح هو تردد الجانب السعودي في الإيداع في ظل فساد الحكومة اليمنية المتمثل بعدم وجود موازنة عامة للدولة، وإنفاقها لنحو 150 مليار ريال من أصل 400 مليار طبعت في روسيا دون توفير كافة الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وما يثار عن أسماء وهمية وفساد مرتبط بالجيش الذي لم يستلم مرتباته لنحو 7 أشهر، بالإضافة إلى الفساد الكبير في التعيينات والتوظيف وغيرها من الاتهامات التي لم تثبت الحكومة حتى الآن براءاتها منها”.
دور البنك المركزي
من جهته يتوقع الخبير المالي والاقتصادي، أحمد سعيد شماخ، أن الأمر مرتبط بإجراءات سعودية، أما الجانب اليمني فلا حول له ولا قوة بحسب وصفه، محذراً من أيام أكثر سواداً تنتظر اليمنيين إذا لم يكن هناك حلول من قبل اليمنيين أو الدول الاقليمية.
وقال لـ”الخليج أونلاين” إن: “وديعة بملياري دولار ستساهم في منع تدهور سعر العملة ولو بشكل مؤقت وستنعكس إيجابياً على المؤشرات الاقتصادية”.
وأكد أنه “ينبغي على إدارة البنك المركزي أن تتعاطى بديناميكية وبراعة متطورة مع جميع الأحداث في السوق اليمنية للسيطرة على السوق النقدية من خلال تفعيل دور وأدوات البنك المركزي في السياسة النقدية كي تعبر باليمن إلى وضع نقدي آمن بأقل كلفة ممكنة”.
وانتقد شماخ “التدابير الاقتصادية التي اتخذتها الحكومات اليمنية المتعاقبة حيث لا علاقة لها بإدارة الأزمة أو المواطن بأي صلة فهي، مرتجلة وأثبتت عجزها في أكثر من مرة في تحقيق المتطلبات الأساسية لليمنيين، حتى وصلت نسبة الفقر إلى أكثر من 80% بل وتوقفت رواتب موظفي الدولة، كما أن النظام السياسي القائم منذ الثورة اليمنية على نفوذ بعض المراكز المناطقية والطائفية والحزبية لاقتسام ثروات البلد يعد العلة الرئيسة”.
الدين العام
وقدّر رئيس مؤسسة الإعلام المالي والاقتصادي للدراسات حجم الدين العام الداخلي والخارجي بـ30 مليار دولار، وهو مبلغ تعجز البلاد عن الإيفاء به بسبب السطو المنظم على إيرادات الدولة، وتعطيل الاختلالات الأمنية لمختلف النشاطات الاقتصادية، وتوقف موارد الدولة بفعل توقف تصدير الغاز والنفط، وتآكل الاحتياطي النقدي، الأمر الذي زاد من الضغوط على الاقتصاد الكلي، وارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة، وأوجد السوق السوداء والتي تسببت في تلاشي الاقتصاد الرسمي”.
ولخص شماخ أبرز الخطوات التي يمكن أن تعيد للريال قيمته بـ “وقف الحرب والانتقال من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد السلم، وترشيد قائمة الاستيراد على المواد الأساسية كي لا تستنزف العملة الصعبة، وإعادة تصدير النفط والغاز، ومواجهة السوق السوداء”.
إجراءات حوثية
وفيما تبحث الحكومة الشرعية عن ودائع لوقف تدهور العملة وجدت سلطة المليشيا الانقلابية في صنعاء ضبط سعر العملة مبرراً لمصادرة أموال المصارف وشركات الصرافة.
حيث نقل الصحفي اليمني فاروق الكمالي أن مسلحين حوثيين اقتحموا يوم، الثلاثاء، فرع مصرف الكريمي بشارع القيادة في العاصمة صنعاء وقاموا أولاً بإزالة كاميرات المراقبة ومصادرتها وأخذ السيرفر، قبل الاعتداء على الموظفين ونهب أموال من الصناديق تقدر بالملايين، ثم قاموا بإغلاق الفرع.
ووفقاً للكمالي فإن الحوثيين يقولون إنها إجراءات أمنية لضبط سعر الصرف وحماية الريال الذي هوى لأدنى مستوياته وبلغ 480 ريالاً للدولار الواحد.
واعتبر الكمالي في منشور له على فيسبوك، أن الإجراءات الحوثية التي شملت أيضاً مصرفي سويد والصيفي تدمر سمعة القطاع المصرفي في صنعاء، وعملٌ غير مفهوم من الحوثيين الذين يحاولون التصرف كسلطة أمر واقع، رغم أن مسؤولين في المصارف قالوا له أن الحوثيين وعدوا بوضع الأموال في فرع البنك المركزي اليمني بصنعاء، كضمان لعدم التلاعب بسعر الصرف.
الخليج اونلاين