تحليل للواقع الذي تعيشه سوريا والعراق في هذه الايام
محللون سياسيون يؤكدون أن العراق وسوريا سيشهدان حمامات دم طائفية بعد تدخل الميليشيات التي دربتها إيران متوقعين استمرار القتال.
كشف اجتياح المسلحين لمناطق في العراق في طريقهم إلى بغداد حيث لا تزال الحكومة صامدة عمق الطائفية التي سبق وساهمت أيضا في تأجيج نيران الحرب الأهلية السورية وبدأت تمتد لمجتمعات هشة مثل لبنان.
الآن تحرر جني الطائفية ليطغى على التنافس التقليدي بين دول الشرق الأوسط حتى وإن ظل هذا التنافس يلعب دورا في الأحداث.
في عام 1979 أدت الثورة الإسلامية لصعود نظام شيعي للحكم في إيران لتمنح بعدا طائفيا لسباق قديم على النفوذ في الخليج بين إيران والسعودية التي تتبنى المذهب الوهابي.
كما أدى الغزو الأميركي عام 2003 إلى تفكك العراق على أسس عرقية وطائفية ليمنح الشيعة اليد العليا على السنة ويعيد تشكيل توازن القوى الذي استمر قرابة قرن.
وفي سوريا يضع الصراع الأقلية العلوية التي ينتمي إليها بشار الأسد والنواة الصلبة لجيشه وقواته اﻷمنية في مواجهة شاملة مع مقاتلين معظمهم من الأغلبية السنية. واجتذب هذا الصراع أفرادا متطوعين جهاديين أجانب ليخلق ساحة قتال طائفي هائلة تمتد من بغداد وحتى بيروت.
يقول فالي نصر المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية والباحث الأكاديمي في شؤون الشرق الأوسط والباحث بمؤسسة بروكينجز “لا يوجد إحساس بوجود هوية مشتركة. وبالتالي فكلما حدث انقسام على السلطة مثلما هو الحال في لبنان وسوريا والعراق والبحرين ينتهي بهم الأمر للتعارك بشأن من سيفوز. أصبح الوضع هو .. الفائز يحصل على كل شيء”.
وزادت اللمحات من وحشية هذه الطائفية في الوقت الذي سيطر فيه المجاهدون على مدن بشمال ووسط العراق في 10يونيو. ويستلهم التنظيم نهج القاعدة وأعلن الأحد قيام دولة خلافة إسلامية في قلب الشرق الأوسط.
ووصل خطاب الكراهية مع المسلحين إلى مستوى جديد في العراق فهم يزعمون أن “الموت هو اللغة الوحيدة التي يفهمها أتباع المالكي”.وجاء رد الجانب الشيعي مماثلا إذ نشر مقاطع فيديو تظهر عمليات إعدام لسنة. وفي أحد هذه المقاطع ظهرت جثث مجموعات من الرجال أطلق عليهم الرصاص بشكل عشوائي وبعضهم أصيب في الرأس فيما بدا أنه غرفة تناثرت فيها الدماء وثقوب الرصاص على الجدران.
ويقول كثير من المحللين إن الدين يستخدم كسلاح لإعطاء زخم للمصالح المتنافسة لكن الهوية الطائفية بدأت تتخذ لنفسها نمطا خاصا سريع الانتشاريخرج في بعض الأحيان عن سيطرة من يحملون السلاح. ويقول فالي نصر “الهويات القومية في هذه الدول تتراجع بينما تزداد الهويات الطائفية وضوحا”.
ويقول تشارلز تريب الأستاذ في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن إن العملية في العراق بدأت في التسعينات عندما بدأ صدام حسين الذي أطاح به الغزو في 2003 – ما عرف وقتها باسم “الحملة الإيمانية” لتعزيز الدعم لنظامه العلماني في ظل العقوبات الاقتصادية الدولية القاسية.
وأدى هذا التشجيع العشوائي للطوائف إلى تشجيع المستفيدين من الطائفية الذين “وجدوا أن حشد الناس حول الدين أو الطائفة أمر مربح للغاية”.
ويقول تريب إن العملية التي استمرت في عهد المالكي شهدت تحول سم التمييز الطائفي إلى تعصب أعمى استغله قادة سقطوا في هاوية “حرب مزايدة” لنيل الشرعية الدينية. كما غلف اللاعبون في المنطقة مساعيهم لتحقيق تقدم سياسي على الأرض بغلاف الدين.
وقال تريب ” إذا شددت على مدى شيعيتك بصفتك إيراني فهذا يتيح لك التدخل في لبنان وبالمثل فاذا كنت سعوديا تستطيع أن تزعم أن الأمر لا يتعلق بالتنافس الإقليمي بل بقضية أكبر.” وأضاف “على المستوى الإقليمي يخوض الناس صراعا على القوة ليس لأجل الدين بل لأجل الموارد والهيبة”.
ويجادل يزيد صايغ وهو باحث كبير في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت بأنه “لا يوجد فعليا خطاب ديني في هذه الحرب الدينية.. الأمر في جوهره كما هو الحال دائما هو صراع على السلطة السياسية.”
ورغم أن العداء الطائفي لطالما اتخذ طابعا عنيفا ودمويا فانه الآن يمتد عبر مناطق شاسعة من شرق المتوسط إلى العراق والخليج واليمن.ويقول طارق عثمان مؤلف كتاب “السيناريو الخطير في شرق البحر المتوسط” إن الصراع “ليس دينيا خالصا ولا سياسيا بالكامل .. العاملان يمتزجان ويغذيان بعضهما البعض وتلعب المصالح الشخصية والمواجهات الجغرافية السياسية دور الحطب للنار”.
ويقول عثمان إن الحروب الطائفية تحدث في وقت تمر فيه المجتمعات العربية بتحول من النظام السياسي القديم في أعقاب الاطاحة بحكام مستبدين حكموا بلادهم لسنوات طوال إلى نظام لم تتحدد ملامحه بعد.
وللمرة الأولى في الأعوام المئة والخمسين الماضية تشهد المنطقة صعود جماعات جهادية تهيمن على سهول تمتد من شرق سوريا لغرب العراق وتشكل لنفسها تدريجيا شبه دويلات يأملون أن تصبح كيانات دائمة.
ويقول تريب “السياسة المحلية ستشكل هذا بشكل أو بآخر. في بعض الأحيان ستعني السياسة المحلية أن يكون ذلك أمرا مروعا وعنيفا للغاية وسنشهد أمورا مثل تلك التي شهدناها في سوريا حيث تقوم قرية بذبح قرية أخرى. وبالطبع سينزع العامل المحلي الفتيل ويزيل المرارة لانه قد يؤدي فعليا إلى تسوية محلية”.
ورغم أن العراقيين في الشمال – الذين يشتركون في كراهية حكومة المالكي ويقولون إنها أخرجتهم من السلطة وهمشتهم – ساعدوا المسلحين على السيطرة السريعة لكن الخلافات نفسها قد تؤدي لانشقاقهم عن الأساليب الوحشية مثلما حدث في سوريا والعراق قبل سبعة أعوام.
ويقول خبراء ان الائتلاف الجهادي سينقسم في نهاية المطاف بسبب النزاعات الداخلية بشأن اقتسام الأموال والأراضي والسلطة.
ويعتقد الخبراء أن المسلحين سيستنزفون أنفسهم بإثارة استياء العشائر والجماعات السنية الأكثر عملية والضباط السابقين من حقبة صدام والمواطنين العاديين مثلما فعلوا بين عامي 2005 و2008 تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي عندما ثار العراقيون على سياساتهم المغالية في التشدد.
ويدفع البعض أن هذه الانقسامات ستحدث بسرعة لان الجهاديين سيضطرون لتأسيس الحكم في المناطق الهائلة التي سيطروا عليها.ويقول تشارلز تريب “واحدة من أهم نقاط القوة لدى القاعدة هي انها لم يكن لها ادارة اجتماعية. فهي قد تحشد الناس حول فكرة لكنها لم تكن مضطرة لتوفير الكهرباء والمياه والعدالة الاجتماعية وما إلى ذلك. تنظيم الدولة الإسلامية يتعين عليه ذلك الآن”.
ويقول تريب إن تركيب القوى الاجتماعية في المناطق السنية التي سيطر عليها المجاهدون لا يزال يهيمن عليه زعماء العشائر والمسؤولون السابقون في حزب البعث بينما تقبع قوة السلاح في يد تنظيم الدولة الإسلامية.
ويقول “يعرفون أنهم لا يستطيعون حكم تلك المنطقة دون تعاون العشائر وعندما تراجع نمط ما حدث من قبل فهذا بالضبط ما أدى لانهيار سيطرة القاعدة والزرقاوي .. لانهم أثاروا نفور (العشائر”).
وعلى الأرض يصعب تصور أن يستطيع المالكي استعادة السيطرة على المحافظات التي سيطر عليها المسلحون عن طريق الجيش الذي يعد وجوده مجرد حبر على ورق.
لكن خبراء يقولون إن استعادة تلك المناطق بمساعدة الميليشيات التي دربتها إيران مثل عصائب أهل الحق ينذر بحمام دم طائفي.ويتوقع كثيرون أن يستمر القتال حتى تقوم كل الفصائل من سوريا إلى العراق بتشكيل مناطق حكم خاصة بها حتى لو ظلت ضمن الحدود الدولية ذاتها