غرق قاربهم المطاطي قبل أن يصلوا إلى السواحل الأوربية، بعد رحلة صراع مع أمواج البحر المخيفة والتي جهلها أغلب من كان على متن ذاك القارب، كانوا على حافة الموت وآخرين باتوا في عداد المفقودين، هم على الأرجح صاروا أمواتاً، وعشرات قوارب الصيد شاركت في عمليات البحث دون جدوى، ومن بين من نجا صبية كانت شاهدنا على خيبة أمل وعذاب لا ينسى.
“سحر” الصبية التي لم تكمل العشرين عاماً من مدينة إدلب، روت لنا عبر مكالمة “وتس آب” وقائع رحلتها في اللجوء بحراً إلى أوربا على متن قوارب الموت قائلةً “إنها كانت رحلتي الأولى في البحر، لم أكن أعلم أنه كبير لهذه الدرجة وأن أمواجه مخيفة ومرعبة”.
تتابع حديثها “استغرقت الرحلة 19 يوماً، لكنها ملأت بتفاصيل لا تنسى وغيرت مجرى حياتي إلى الأبد، أواخر سنة 2015 كنت أقيم في “إسطنبول” مع عائلتي التي هربت من طبول الحرب في سوريا، علها تعود بعد نهاية الصراع، لكن إصرار والدي لمتابع دراستي في إحدى الدول الأوربية شجعني على التواصل مع المهربين عبر “الفيس بوك” علناً وكيفية السفر والسعر!
وضّبتُ أقل شيء أستطيع حمله، أو يمكن أن يلزمني، كالمضادات الحيوية والتمر والماء وضوء اللايزر، وسترة النجاة، وأخذت الأفكار تراودني ما الذي سيحصل لو أن القارب غرق؟ هل سأكون طعاماَ للأسماك كما كنا نسمع عن آلاف السوريين الذين غرقوا في البحر المتوسط”.
منذ كانون الثاني يناير وصل أكثر من مئة ألف مهاجر إلى أوربة عبر البحر المتوسط استناداً إلى منظمة الهجرة الدولية، لكن المنظمة تتحدث أيضاً عن وفاة وفقدان أكثر من 2200 شخص كانوا يحاولون الوصول إلى أوربا.
يستغل مهربو البشر الفوضى والحرب السورية المشتعلة ليهربوا عشرات الألاف كل عام ويكسبون مبالغ مالية طائلة، غير مكترثين إلى الخيبة الثقيلة والمرارة التي لا يطيقون تحملها.
قوارب الموت التي تغرق ببؤسائها الذين يفرون من سوريا هربا من الظلم والتجويع والبطالة وضيق الأفق، لتحمل جثثهم الشواطئ المنكوبة بعد أن ضاقت بهم الأوطان وضاق بهم حكام نسوا أن العدل أقل تكلفة من الحرب وأن مكافحة الفقر والظلم أجدى من مكافحة الإرهاب.
تضيف الناجية من قارب الموت “سحر” في حديثها المطول معنا “لم يتوقف الجميع عن الدعاء والتضرع غير أن رداءة القارب وسوء الطقس ساهما بغرقه، وسط صرخات النساء والأطفال.. ليتكفل الموت بكتابة سطور معانتهم الأخيرة وتطوى مع أصحابها في عرض البحر، لم يكن أمامي إلا استمرار خيار السباحة لساعات طوال لأنجو مع الأقلية”.
لم يكن الزورق الذي أقل “سحر” الغارق الوحيد فقد ألقت زوارق الموت بالكثير من السوريين… ومضت.. ليظهر السؤال المحير بقوة، لماذا لا تزال دول المتوسط محطة لانطلاق ما يعرف بقوارب الموت باتجاه شواطئ أوربة؟.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد