“حزب الله يحكم لبنان”، عبارة يرددها كثيرون منذ فترة طويلة، لكن تردادها تواتر أخيرًا بعد القرار الصادر عن مجلس التعاون الخليجي ووزراء الداخلية العرب باعتبار حزب الله “منظمة إرهابية”.
لا يختلف اثنان على نفوذ حزب الله والدور المحوري الذي يؤديه في تسيير الأمور في لبنان، لكن هل هذا يعني أن حزب الله يحكم لبنان؟ كما لم يختلف اثنان على نفوذ الحزب، فإن أحدًا لن يختلف على أن الترسانة العسكرية والمنظومة الأمنية التي يملكها حزب الله -والتي للتذكير حصل عليها بمباركة اللبنانيين تحت شعار مقاومة إسرائيل- تفوق قوة وقدرة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى مجتمعين. وهنا أكرر السؤال نفسه: هل هذا يعني أن حزب الله يحكم لبنان؟ لنتابع: بإمكان حزب الله أن يسيطر على لبنان عسكريًا، بإمكانه أن يحتل الوزارات والمؤسسات العامة، وأن يقتحم القصر الرئاسي في بعبدا وكذلك السراي الحكومي ومجلس النواب، بإمكان ميليشياته المسلحة أن تحتل ثكنات الجيش ومقار الأجهزة الأمنية، بإمكان الحزب أن يقطع الطرق ويوقف بث قنوات التلفزة وإحراق مقار الصحف التي تعارض مشاريعه ومخططاته كما فعل في مايو 2008، بإمكان حسن نصر الله أن يرفع أصابعه كل يوم مهددًا متوعدًا، لكن هل كل ذلك يعني أن حزب الله يحكم لبنان؟
الجواب بكل بساطة هو النفي، فرغم أن الحزب بات يؤدي أدوارًا إقليمية أكبر منه ومن لبنان، ورغم أنه بات لاعبًا مفسدًا في معظم البؤر المشتعلة في المنطقة، إلا أن ذلك لا ينفي أن حزب الله كان وما زال وسيبقى مكوّنًا من مكونات الساحة اللبنانية. فالحزب -أعجبه ذلك أم لم يعجبه- محكوم بصيغة توافقية طائفية مركبة، لا يستطيع لا هو ولا غيره أن يتجاوزها أو أن يتجاهلها، فلا هو يستطيع أن يرمي الآخرين في البحر ليتخلص منهم، ولا الآخرون بإمكانهم رميه بالبحر. وجميع المحاولات التي قام بها حزب الله في مراحل سابقة لإلغاء الآخرين أو تهميشهم باءت بالفشل. يمكن تشبيه الأمر كما هو حاصل في مجلس الأمن، فحزب الله يملك حق النقض (الفيتو) على القرارات التي لا تعجبه فيمنع تمريرها وإقرارها سواء في الحكومة أو في المجلس النيابي أو في جلسات الحوار، لكنه لا ينفرد بهذا الحق، بل يتشارك بذلك مع المكونات الأساسية الأخرى الذين لهم حق الفيتو على القرارات أو المشاريع التي لا تناسب مصالحهم. حتى القوة العسكرية التي يعتبر البعض أن حزب الله يحكم لبنان من خلالها، بإمكان أي فريق آخر أن يحمل السلاح تحت عنوان “مقاومة إسرائيل” الذي يتلطى به حزب الله، فالمقاومة حق أقره البيان الوزاري دون حصره بطرف دون غيره، وعدم حصول ذلك يعود لتقاعس الآخرين وتقصيرهم.
حزب الله لا يمكن أن يحكم لبنان ولا يستطيع ذلك، لكن هذا لا ينكر نفوذه الكبير داخل مؤسسات الدولة المختلفة. لكن مرة أخرى، لا يمكن لوم الحزب على نفوذه، من يجب أن يُلام هو الأطراف الأخرى التي لا تحرك ساكنًا أمام تمدد الحزب وتأثيره على مؤسسات الدولة، وتكتفي بالمشاهدة والتأمل وفي بعض الأحيان التصفيق.
حزب الله لا يصنع المعجزات ولا يقدم المستحيل، كل ما يقوم به هو استغلال نقاط ضعف الآخرين، مستفيدًا من نقاط قوته لتحقيق مصالحه. لكن ذلك لا يعني أن هذا الواقع قدر لا مفر منه، فهناك الكثير من الأمور التي يمكن القيام بها لمواجهة تمدد الحزب ونفوذه.
أوّاب المصري – بوابة الشرق