هل بقي رهان جديد بعد “جينيف4” ؟

جينيف “4” ليست تسمية أطلقها السوريون على سلسلة مؤتمرات بدأت ولم تنته حتى الآن، ولم يتمخض عنها صيغة تفاهم تنهي شلالات الدماء المتساقطة في سورية منذ ست سنوات, سلسلة مرفقة بأرقام أخذت طريقها إلى العد التصاعدي ابتداءً من الرقم واحد وليس انتهاءً بالرقم أربعة وعندما نسأل عن النتيجة سنجد أنها (حراكاً من أجل الحراك) لم يثمر حتى الآن عن أي نتيجة ملموسة, والمفارقة الواضحة أن السوريين أنفسهم يطلقون على هذه السلسلة اسم “المسرحية”، لكنها بحق مسرحية تؤدى على خشبة مسرح دولي يسمى “جنيف”, وأن سلسلة الحلقات المتعاقبة من هذه المسرحية شاركت عدة أطراف إقليمية ودولية في كتابة “السيناريوهات” الخاصة بها.
مدينة جنيف السويسرية مدينة جميلة، تعتبر مقصداً رئيساً لعدد كبير من سياح العالم “فائقي الثراء”, لكن هي اليوم مقصد لوفود سوريّة تحاول الجلوس على طاولة المفاوضات لإيجاد حل لمأساة دموية فاقت كل التصورات, يجري اللقاء في أحد أعرق قصورها بمشاركة كبيرة من ممثلين عن العرب والغرب والمسؤولين الأمميين والموالين للنظام السوري والمعارضين له, بدا المؤتمر (المسرحية) وانتهى دون أي إشارات واضحة لبدء عهد سوري جديد تنتهي فيه جرائم الفتل المتوالية في البلد المدمر.
شهد المؤتمر تصريحات غريبة عبرت فقط عن السياسة الدولية اتجاه ما يجري في سورية, وهي سياسة الكيل بمكيالين منذ بدء الأزمة وتصوير الصراع على أنه صراع بين قوتين متماثلتين في القدرات العسكرية بعيداً عن كونه ثورة شعب أعزل ضد نظام يمتلك كل أنواع الأسلحة المدمرة والفتاكة, بل تعدت تلك التصريحات حدود مهام أصحابها لتتحول إلى تهديدات بـ (سحق الشعب الأعزل) بحسب ما جاء على لسان المبعوث الدولي إلى سورية “ستيفان ديمستورا” عندما قال: “في حال فشل جنيف فإن النظام سيكرر ما فعله في حلب على أرض إدلب”.
وبعد انقضاء المؤتمر حاول ديمستورا أن يحافظ على ماء الوجه بعيداً عن لغة التهديد, عندما غرد قائلاً “ربما رأيتم بعض المصافحات, إن الشعب السوري في حاجة إلى هذه المصافحات, من أجل حل هذا النزاع” مشيراً بشكل أو بآخر إلى فشله في إيجاد صيغة واضحة يتمكن بها من جمع الأطراف إلى طاولة المفاوضات النهائية التي تنصف الضحية وتحمل المسؤولية (للجلاد/ النظام السوري), ويبدو أن السيد ديمستورا تجاهل حقيقة أن السلام في هذا البلد الذي يشهد حروباً طاحنة تديرها مصالح دولية متناقضة ومتشابكة, لا يمكن أن تصنعه المصافحات بالأيادي وكثرة القبلات والأخذ بالأحضان.
ولكن ما قبل جنيف لم يكن مختلفا عمّا بعد جنيف: فالقصف مازال متواصلاً على كافة المدن والبلدات والقرى المحررة والمحاصرة, بل على العكس عادت وبقوة سلسلة المجازر البشعة التي يرتكبها الطيران الحربي إلى الواجهة من جديد على مرأى ومسمع العالم المتفرج الذي شارك وسهَّل لقاء أو (مسرحية) جنيف -كما يحلو للسوريين تسميتها, حتى ديمستورا كان ومازال يراقب تلك الجرائم غير المبررة التي لم تتوقف يوما في سورية, لكنه استمر في شراء الوقت على حساب اليأس عندما تعهد بقوله “سأبقى أشجع أطراف الأزمة السورية على إقامة الحوار بينها, وسأحفز المشاركين في المفاوضات للمضي قدماً في تحقيق جميع أحكام القرار 2254”, وقد تناسى مجدداً ديمستورا أن من يقف في وجه تحقيق هذا القرار هو الحلف الثلاثي الذي يجمع بين نظام الأسد وروسيا وإيران معا.
يدرك النظام السوري جيداً أن جنيف 4 هو كسابقاته من المؤتمرات السابقة, إذ لم يلتزم أصلاُ بنتائج المؤتمرات بل عمل جاهداً على إفشالها, ويعلم علم اليقين مصالح تلك الأطراف الدولية اللاعبة في الملف السوري, وكيف أرادت وماتزال تريد لجنيف ألا يتعدى كونه مسرحية تستمر فيها الفصول الدموية, ولكن السؤال يبقى:
ماذا ترى المعارضة بعد أن وصلنا إلى جينيف 4 الذي لم يأت بشيء جديد؟
وعلى ماذا تراهن الآن؟

حازم الحلبي – المركز الصحفي السوري

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist