يشكل رئيس الحكومة خطرا على الدولة لأنه غير مؤهل لصنع السلام ولا تعنيه المصالح القومية
اوري افنيري
لا.. لا أريد الكتابة عن قضية يئير نتنياهو، أنا أرفض بشدة. لا توجد قوة في العالم تجبرني على فعل ذلك. ومع ذلك، أنا أجلس وأكتب، وربما في الحقيقة هذا أكثر من مجرد نميمة. وربما هذا أمر لا يمكن تجاهله. كل شيء نبع من محادثة بين ثلاثة شباب في سيارة. هذا كان قبل سنتين، أحد هؤلاء الشباب كان يئير، الابن البكر لرئيس الحكومة، إسمه يئير، بالطبع على اسم قائد «الليحي» الذي كان اسمه الحقيقي ابراهام شتيرن. يئير الأصلي انفصل عن التنظيم العسكري القومي «الايتسل» في عام 1940 عندما وقفت بريطانيا وحدها أمام القوة العظمى لألمانيا النازية. «الايتسل» أوقفت بشكل مؤقت نشاطها ضد الحكم البريطاني، في حين يئير طلب القيام بالعكس: استغلال الضائقة البريطانية من أجل التحرر من الحكم البريطاني في البلاد. وقد تم قتله بنار الشرطة البريطانية.
يئير ابن نتنياهو وصديقاه قاموا بجولة بين نوادي التعرّي، يبدو أن هذا التعريف وصف مهذب لبيت الدعارة. شخص ما اهتم بتسجيل المحادثة بين الثلاثة ونشرها. ومنذ ذلك الحين لا يوجد أحد في إسرائيل يتحدث عن موضوع آخر.
هذا التسجيل يثير تساؤلات كثيرة، كل تساؤل أسوأ من الآخر. أحدها هو من الذي قام بالتسجيل؟ عدا عن يئير وصديقيه كان في السيارة شخصان آخران هما السائق والحارس الشخصي. هذا الوضع المخجل يثير أيضا عدة أسئلة حادة: لِمَ يوجد حارس شخصي لشاب عمره 26 سنة، وكذلك من أجل جولة في نوادي التعرّي؟.
لا توجد ليئير وظيفة رسمية. لم يكن هناك لأي ابن أو ابنة لرئيس حكومة سابق، حارس شخصي. لا يوجد أي خطر ظاهر يهدد نتنياهو الشاب. إذا كان الأمر هكذا فلِمَ يجب أن أدفع مقابل حارسه الشخصي؟ يئير سافر في سيارة حكومية، يقودها سائق حكومي. لِمَ يستحق ذلك؟.
من هو يئير نتنياهو هذا؟ ماذا يعمل ليكسب رزقه؟ ليست له مهنة. ليس له عمل. هو يعيش في البيت المحصن لرئيس الحكومة ويعيش على حساب الدولة. ما هو ماضيه؟ الخدمة التي قام بها كانت جنديا في لواء المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي.
كل قارئ يمكنه أن يسأل نفسه: أين كنت أنا عندما كان عمري 26 سنة؟ بالنسبة لي، في هذا الجيل كنت في «الايتسل» منذ بضع سنين، بعد سنة متواصلة من القتال في حرب 1948، بعد إصابتي في المعركة وبعد أن بدأت العمل كمحرر في مجلة إخبارية أسبوعية، حصلت على الرزق في جيل الـ 15 سنة، هذا ليس أمرا يجب التفاخر به بشكل خاص. شباب كثيرون في عصري كان لهم ماض مشابه (باستثناء الجزء الصحافي بالطبع).
هل يمكن تفسير هذا الجانب من قصة نتنياهو الشاب على خلفية عائلته؟ هل يمكن اتهام والديه بطبيعة الأولاد؟ كل هذه القضية كان يمكن أن يكون شأن عائلي لو لم تثر التساؤلات في أوساط الجمهور. ما هي البيئة الاجتماعية لرئيس الحكومة؟ بنيامين نتنياهو هو ابن البروفيسور الذي عاش في ظروف متواضعة جدا. بنيامين نفسه عاش معظم حياته براتب من الحكومة، وها هو ابن بيبي يقضي وقته مع أبناء الأثرياء. يوجد لرئيس الحكومة دور في تمويل مشروعات كبيرة في الدولة. الآن تقوم الشرطة بأربعة تحقيقات منفصلة متعلقة به. فعليا، الكثير من أصدقائه الشخصيين في التحقيق، وليس فقط صديقه المقرب الذي هو أيضا محاميه وقريبه، الذي تم التحقيق معه في قضية الغواصات من ألمانيا. في حياته الشخصية تم التحقيق مع نتنياهو حول تلقيه خلال فترة زمنية طويلة سيجار ثمين من أصدقاء أثرياء. زوجته سارة نتنياهو تم التحقيق معها على تلقي بصورة منتظمة الشمبانيا الثمينة من ملياردير آخر.
كل هذه الأجواء من الفساد العام والشخصي في قمة الدولة بعيدة جدا عن ماضينا، هذا شيء جديد، يعبر عن عهد نتنياهو، لا يمكن تصور أن شيئا كهذا كان يمكن أن يحدث في عهد بن غوريون. صحيح أن ابنه عاموس كان متورطا في قضايا معينة، تم الكشف عنه في «هعولام هزيه»، لكنها لم تكن تشبه أية قضية من قضايا هذه الأيام.
عندما كان مناحيم بيغن عضوا في الكنيست، كان ما زال يعيش في شقة تتكون من غرفتين، التي اختبأ فيها عندما كان الإرهابي الأكثر طلبًا في فلسطين (أرض إسرائيل). غولدا مئير واسحق رابين وشمعون بيرس عاشوا في بيئة متواضعة. في حين السخرية الشعبية منحت نتنياهو لقب «الملك»، حتى «القيصر». يتحدثون عن «العائلة المالكة». لِمَ؟ أحد الأسباب يرتبط بعنصر الزمن. نتنياهو يوجد الآن في ولايته الرابعة، هذه فترة طويلة جدًا.
«السلطة تفسد، والسلطة المطلقة تفسد بصورة مطلقة!»، قال اللورد آكتون البريطاني قبل 200 سنة تقريبا. بدل «مطلقة» يمكن أيضا كتابة «مطولة». الشخص الذي يكون في السلطة يكون محاطا بالإغراءات والأشخاص المتملقين والمفسدين. وكلما مر الوقت كلما ضعفت مقاومته للإغراءات. للأسف هذا أمر إنساني.
بعد فترات الولاية الطويلة ـ من دون نهاية لفرانكلين روزفلت الذي كان رئيسا مستقيما وناجعا، قرر الشعب الأمريكي بحكمة كبيرة أن الرئيس يمكنه تولي منصبه بحد أعلى، ولايتين. من تجربة شخصية توصلت أنا أيضا إلى استنتاج أن ولايتين هما المعيار الصحيح. كنت عضو كنيست مدة عشر سنوات، وبنظرة إلى الوراء، كان عليّ الاكتفاء بثماني، في السنتين الأخيرتين شعرت بانخفاض الحماسة والنجاعة. خلافا للعديد من الإسرائيليين أنا لا أختلف عن بنيامين نتنياهو. فهو لا يعنيني حقًا كإنسان، لكنني أعتقد أنه يشكل خطرا على مستقبل الدولة. إن الجنون الذي يربطه بالحكم يؤدي به إلى بيع مصالحنا القومية لمجموعة من المنتفعين، ليس فقط لأصحاب المليارات، بل أيضا للمؤسسة الدينية الفاسدة وأشخاص آخرين كثيرين. شخص كهذا غير مؤهل لصنع السلام، حتى لو أراد ذلك. فصنع السلام بحاجة إلى قوة وشخصية قوية مثل الاستعداد للمخاطرة بفقدان الحكم. جرأة كهذه لا توجد في عالم نتنياهو في الإطلاق. باختصار، قل لي من ابنك وسأقول لك من أنت.
هآرتس 18/1/2018