الشريط الحدودي تتهيأ له الظروف رغم صعوبتها ليكون امتدادا طبيعيا لأكراد العراق وتركيا وإيران بما يغير كثيرا من المشاريع التوسعية.
العرب حامد الكيلاني
الجيش الأميركي باق في سوريا لمواجهة تنظيم الدولة وإيران ونظام الأسد. هذا ما قاله وزير خارجية الولايات المتحدة، ريكس تيلرسون، وفيه إيجاز لأجوبة تتعلق بسياسة إدارة الرئيس دونالد ترامب في الملف السوري، رغم أن تلك الأجوبة تمت ترجمتها باللغة التركية إلى تحركات لقوات عسكرية بانفعالات سياسية حادة لم تجد في أقوال وزير الخارجية الأميركي ما يهدئ أو يكفي لتتراجع القيادة التركية عن غضبها، نتيجة لتشكيل قوة من 30 أو 40 ألف مقاتل بقيادة قوات سوريا الديمقراطية الذين تعتبرهم تركيا فصيلا من حزب العمال الكردستاني.
أميركا ردت إنها تتفهم أسباب رد الفعل التركي تجاه إنشاء تلك القوة الحدودية مع تركيا والعراق أيضا في الشمال السوري، في وقت قالت فيه وزارة الدفاع الأميركية إنها تعمل لتكوين جيش كردي في سوريا.
تركيا حالها كبقية دول التواجد الكردي في إيران والعراق وسوريا، فهي تخشى من إحياء المشروع الكردي في المنطقة بل تعتبره فوبيا لها منطقها وأسبابها التاريخية ونتائجها الأمنية المحتملة على الداخل التركي، وذلك متوقع إن تراخت تركيا في مجابهة الطموحات الكردية على حدودها، أو إن تمادت في عمليتها العسكرية تجاه عفرين أو منبج لأن الشارع الكردي سيتحرك في تركيا خاصة في حالة إطالة أمد الهجمات أو تزايد خسائرها وضحاياها.
المأساة السورية والاستخفاف الدولي بها وتركها للقوة الروسية وإيران ولمفاوضات شكلية كانت منذ البداية تستهدف إضاعة الوقت لصالح المتغيرات في ميزان القوى العسكرية على الأرض للإبقاء على النظام كذريعة قانونية تستمد منها روسيا بقواتها الجوية وقواعدها شرعية التدخل، كما تفعل إيران بميليشياتها التي تجاوزت 30 ميليشيا متعددة الجنسيات وبقوام يضاهي قوة جيش بفرق عسكرية متكاملة.
تركيا تنسق مع روسيا وإيران لتمرير موقف عملياتي دون أخطاء تدفع ثمنها سياسيا تلافيا لتجارب الماضي القريب، بضربات جوية استدعت تفاهمات على مستوى رئاسة أركان الجيوش والمخابرات دون الإشارة إلى النظام الحاكم في سوريا المعني وفق مفاهيم الدولة بالتهديد. هذه التناقضات صارت واقعا يحرج النظام لذلك يلجأ إلى تقمص دور السيادة ببياناته وشجبه واستعدادات دفاعاته الجوية لرد العدوان التركي.
الموقف الأميركي يشدد على عدم مغادرة سوريا على طريقة الانسحاب من العراق في العام 2011 الذي فتح الباب واسعا للإرهاب ومكنه من احتلال مساحة واسعة رغم أن العراق حينها كان بمعايير عسكرية وتجهيزات خاضعة لمقاييس الجودة الأميركية إلا أنه تعرض لهزيمة كاسحة.
هل نحن بصدد أحداث دراماتيكية ونيران متقابلة في الخنادق الواحدة ولو في مجال السياسة؛ أم إننا أمام حالة خاطفة اختصرت بلاد الرافدين إلى مجرد شريط حدودي لحماية هلوسة إرهاب النظام الإيراني
أما في سوريا فالأمر مختلف لأنها تحت الوصايا الروسية والإيرانية، والتواجد الأميركي فيها أقرب إلى الالتفاف والمناورة لتقويض الصمت الطويل لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وهو صمت إرادي له مبرراته ومرجعيته الفكرية متعددة الأهداف، ولتقويض التفرد الروسي الذي نزع التوافق الأممي من مفاوضات جنيف في تحويلات مؤقتة تبطئ من حركة سير المفاوضات نحو غايتها السورية لبدء عملية الانتقال السياسي التي تؤدي إلى إحلال السلام وبناء نظام ديمقراطي يحترم تطلعات الشعب السوري.
الولايات المتحدة الأميركية بعد مرحلة تنظيم داعش في العراق وسوريا تدشن تنصيب تحويلتها كدولة عظمى للسيطرة على الجموح الروسي وتشذيب تمدد المشروع الإيراني بميليشياته المذهبية ولترميم مثالب الانكفاء في السياسة الخارجية الأميركية بمقدمة عقوبات خاصة على النظام الإيراني وإنذار أخير من الرئيس ترامب بعدم التوقيع مرة ثانية على استمرار رفع العقوبات المقرر بالاتفاق النووي إذا لم يعد النظر في بعض فقرات الاتفاق وبالتشاور مع الدول الأوروبية الأعضاء في مجلس الأمن مضافة إليها ألمانيا والسماح للمفتشين الدوليين بالدخول إلى كافة المواقع العسكرية في إيران.
مفترقات طرق في لعبة ساذجة استمرت طويلا لإفراغ محتوى الشعوب بالقمع والاستبداد، والشعب الكردي في سوريا مثال صارخ لعدم التسليم بحق أفراده ولو بالحصول على جواز سفر أو امتلاك جنسية أو أوراق ثبوتية كالمواطنين الآخرين في عقود الزواج وشهادات ميلاد الأطفال والملكية.
يتباكى النظام السوري على الشعب الكردي ويطلب التنسيق معه، في حين لا يتوانى مندوبه في الأمم المتحدة بشار الجعفري عن السخرية في أحد لقاءاته الصحافية لمفاوضات جنيف والتهكم على صحافي كردي توجه إليه بالسؤال عن مستقبل حقوق الأكراد في سوريا.
عفرين تعيدنا إلى الصمت الكردي في إقليم كردستان بعد الاستفتاء على الانفصال أو الاستقلال عن العراق، وذلك التلميح من الإدارة الأميركية لقيادة الإقليم لتأجيل الاستفتاء لأن الظروف الدولية والمحيطة غير ناضجة بما فيه الكفاية للإقدام على خطة جريئة بحجم الاستفتاء. رئيس إقليم كردستان العراق وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، لم يتجاوب مع النصيحة الأميركية باعتبار الاستفتاء حقا للشعب الكردي لكنه في التوقيت الخاطئ. ماذا عن توقيت الأزمة في عفرين؟
مسعود البارزاني وصف كركوك مؤخرا بالمدينة المحتلة وامتنع عن خوض حزبه للانتخابات البرلمانية فيها. وهذا يؤكد أن الثبـات على الطموحات يحتاج إلى مخططـات استراتيجية تتجاوز مديات الحياة الشخصية للقادة حتى التاريخيين منهم، لأنه لا يرتبط بالأحلام بل بالواقع كما في حالة إقليم كردستان المرتبط بالأمة الكردية ككل وبالأنظمة السياسية للدول الخاضعين لها.
التصرف التركي تجاه إقليم كردستان بعد الاستفتاء يتجدد طبعا في قضية الشمال السوري لكن بأدوات إجرائية فاعلة؛ لذلك فإن الانقسام بين الأحزاب الكردية الرئيسية في الإقليم وانتزاع كركوك بصفتها العاصمة الاقتصادية، مع مجموعة قرارات حكومة المركز التي أثرت تماما من الباطن في حلم إقامة إقليم مماثل في سوريا كان ممكنا جدا أن يتفاعل معه أكراد الجغرافيا الإيرانية، وهم الأكثر تضررا في حقوقهم الاقتصادية والإنسانية والثقافية من الأكراد الآخرين.
تركيا في قضية أكراد سوريا على قناعة بأن إيـران لن تخذلها في مـواقفها وذلك بشكل أو آخر يتماشى مع علاقة روسيا بالأكراد التي لا تريد أن تهتز مكتسباتها في الأرض السورية والتي وفرت لها مواطئ أقدام في الشرق الأوسط، أو في تفاهماتها المقبلة مع الولايات المتحدة وأوروبا وحلف الناتو.
الشريط الحدودي مع تركيا بعمقه داخل الأراضي السورية كان رغبة تركية لإقامة منطقة آمنة منزوعة السلاح تضم النازحين من الحرب، ولذلك طالبت بقرار دولي مماثل لما جرى مع إقليم كردستان في بداية التسعينات لحظر الطيران.
لكن الشريط الحدودي تتهيأ له الظروف الآن رغم صعوبتها ليكون امتدادا طبيعيا لأكراد العراق وتركيا وإيران بما يغير كثيرا من المشاريع التوسعية حتى مع إخفاقاته لأنه يؤسس بالتتابع ولو على المدى البعيد وحدة موضوع لتصحيح خطأ استعماري، عن قصد، في بدايات القرن العشرين.
هل نحن بصدد أحداث دراماتيكية ونيران متقابلة في الخنادق الواحدة ولو في مجال السياسة؛ أم إننا أمام حالة خاطفة تبعث النشاط لإغلاق ملفات وصلت إلى نهايتها منذ مدة ليست بالقصيرة ذهبت دونها شعوب ومدن عامرة واختصرت بلدا مثل بلاد الرافدين إلى مجرد شريط حدودي لحماية هلوسة إرهاب النظام الإيراني.