تعد الصناعات التقليدية مظهراً من مظاهر الحضارة، لذلك فإن سوريا من الدول العريقة لما تحتويه من حرف يدوية كثيرة، إلا أن معظم تلك الحرف تراجعت للوراء منذ اندلاع الحرب السورية لأسباب عديدة، ومنها المهنة اليدوية صناعة” الجلديات الدمشقية “.
الحرفي “سامر أيوبي” الذي امتهن حرفة الجلديات من عائلته منذ أكثر من 70 عاماً، قال لمدونة وطن: “هي حرفة شعبية قديمة قدم قلعة “دمشق”، أي قبل 800 عام، تستخدم فيها جلود الحيوانات المدبوغة بمختلف أنواعها وأحجامها لأغراض كثيرة كالأحذية والأحزمة والحقائب، وتعدّ من أهم الموروثات التراثية، إذ تجمع هذه الصناعة بين الفن والأصالة والثقافة؛ ولهذا تعد إرثاً ثقافياً متجدداً”.
تراجع الطلب على الجلديات في أسواق دمشق، لا سيما سوق “الخجا” المتخصص ببيع الجلديات القريب من سوق الحميدية، بعد التدهور الاقتصادي للبلاد خلال سنوات الأزمة، إلى جانب انتشار الجلديات الصناعية في الأسواق، التي حلت مكان الجلديات الدمشقية عند كثير من الأفراد.
أم محمد امرأة خمسينية العمر من دمشق تقول:” نأسف لما حل بتلك المهنة التاريخية، فرغم أن روعتها تجذب نظر كل مار من جانبها، إلا أن غلاء أسعارها، حال دون اقتنائها حتى عند العاشقين لها، لأنها قطع مريحة”.
يبدع المهرة السوريون في تلك الحرفة المحتاجة لدقة عالية، كي يطوروها باستمرار، لتلائم منتجاتهم الحياة العصرية، ومستلزمات العمل في مهنة الجلديات هي الأدوات اليدوية التقليدية، ومنها الجلود المدبوغة كجلود البقر والماعز والخراف وتستعمل بعد مرورها بعملية الدباغة، لكل قطعة نوع معين من الجلد، هناك “الدزكاية” المنصة الخشبية أمام الحرفي وغالباً ما تكون قطعة خشبية متينة من جذع شجرة ضخمة تحتمل الطرق الشديد، “الكاز” وهو المقطع الفولاذي ذو المقص ويكون على شكل مثلث قاعدته قاطعة، إضافة إلى “الظمبات” الأزاميل الحادة الاسطوانية بغرض التثقيب، “الكليشهات” سطوح معدنية محفورة بأشكال ورسوم تطبع على الجلد بواسطة الطَرق، مع ورق الطبع والقوالب والمشطة أي المطرقة اليدوية النحاسية الخاصة بالطرق تشبه “يد الهاون”.
الحرفي بسام صيداوي يقول لسانا:” إن منتجاتنا تُباع فقط للسياح الذين نالت إعجابهم لما فيها من اتقان في الصنع وجودة الجلد الطبيعي إذ أن صناعة الجلديات تحتاج إلى جهد ووقت طويل”.
وبما أن الأوضاع الأمنية في سوريا مذرية، انعكس ذلك سلباً على نسبة السياح الوافدين إلى دمشق، بالتالي ضَعُفَ الطلب على الجلديات الدمشقية، بسبب السياح القلة وهم الشريحة الأكبر المآخوذة بجمالها والمشترية لها، مما أدى لإغلاق بعض المحلات التجارية المحتوية عليها، وسوء الحالة المعيشية لأصحاب تلك المحلات، بعد أن كانت مصدر رزق لهم.
يسعى حرفيو المهنة إلى الحفاظ على قيمتها بشتى الطرق، فابتكروا الإكسسوارات الجلدية والبورتوكليهات وأضافوا إليها المفروشات الجلدية مثل المجالس العربية والسجاد والبوفات، التي استقطبت السوريين والأجانب ولاقت رواجا كبيراً في الماضي، بينما تبقى حرفة الجلديات المشهورة بأنها جزء من الفلوكلور السوري، حالها كحال غيرها من المهن اليدوية، مهددة بالانقراض في زمن الأزمة السورية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه دائماً، “إلى متى ستظل سوريا تخسر شعبها الصامد، واقتصادها مع تراثها العريق، والعالم كله يتمتع بالنظر لتلك الكارثة دون فعل أي شيء ينجّي سوريا وشعبها من قاتلهم؟”.
المركز الصحفي السوري – محار الحسن