يشهد العالم العربي حروبا لم يسبق للتاريخ أن عرف مثيلا لها، تركت مواجع وحسرات وأدمعت العيون ولوعت القلوب وحرمت المواطنين من عيش حياة طبيعية هانئة، فكانت حياتهم أشبه بفيلم بوليسي خيالي يصعب على العقل تصديقه، ويعجز اللسان والكلمات عن وصفه.
ابتدأت حكاية ما يسمى “بالربيع العربي” من تونس، لتمتد وتطال مصر وليبيا واليمن وصولا إلى سوريا، فقد حاول النظام السوري إشعال الفتنة والحرب الطائفية بين طوائف المجتمع المدني لخلق الفوضى وبهدف تغيير مسار الثورة السورية التي خرج بها السوريون للمطالبة بالحرية والعيش بكرامة، فامتدت تلك الحرب للعراق بين السنة والشيعة وتحديدا في الموصل، ما أجبر كثيرا من أهلها البسطاء على الهرب والنزوح بحثا عن ملاذ آمن يقيهم وعائلاتهم من خطر محدق بهم يدق أبوابهم وينذرهم بوقوع مجازر لا تحمد عقباها.
كانت وجهة أولئك الأهالي محافظة إدلب السورية بعد أن تخاذل المجتمع العربي والدولي عن نصرتهم، فاجتازوا مئات الكيلومترات في الطرقات الوعرة وعبروا نهر الفرات وأجبروا على قطع مياهه الباردة ليلا وعانوا فيها ما عانوا؛ ليصلوا أخيرا إلى الرقة ويضطروا لسلك طرق برية غير آمنة خفية وهربا من عناصر تنظيم الدولة، وبعدها وصلوا إلى مدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي مرورا بسرمدا في ريف إدلب فيجدوا أنفسهم أخيرا في مخيم أطمة للنازحين على الحدود السورية التركية.
تجلس أم محمد من نازحي الموصل في خيمة مهترئة لا تكاد ترد البرد ولا تستر خيبات الزمان، وتقول:” قتلت ميليشيات الحشد الشعبي العراقية زوجي أمام عيني وقتلوا إمام الجامع، خفت على من تبقى من عائلتي فكان الهرب والمجيء إلى إدلب خيارنا الوحيد؛ في محاولة البقاء على قيد الحياة”.
وتضيف أم محمد:” دفعنا مبالغ طائلة للمهربين إلى أن وصلنا هنا بسلام، ورغم ذلك كان طريقنا وعرا ومحفوفا بالمخاطر، ومشينا على أقدامنا مسافات طويلة ومعنا أطفال، كانت رحلة شاقة جدا لكن ما باليد حيلة، فقد سرقت بيوتنا أمام أعيننا وممتلكاتنا ولم نستطع أن ندافع عنها، نشكوهم لرب العالمين فهو المستعان ولابد أن ينصر المظلومين والضعفاء على من بغى وتجبر”.
رغم أن الوضع الأمني في سوريا ليس بأفضل حالا مما هو عليه في العراق، إلا أن 50 عائلة من الموصل وصلاح الدين قرروا التوجه إليها علّهم يجدون في مخيماتها الحدودية مكانا آمنا بعيدا عن سياسة الذبح والقتل، فوجدوا خياما أكل الدهر عليها وشرب، وتفتقر لأدنى مقومات المعيشة، فكانت الصدمة كبيرة عليهم، ولم يتوقعوا أن يصل عجز الإنسانية عند الدول العربية والغربية إلى هذا الحد من التخاذل واللامبالاة، وليواجهوا تجار البشر الذين استغلوا ضعفهم وحاجتهم ليحققوا أطماعهم ويملؤوا جيوبهم من لقمة عيش أولئك الفارين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ترى ما هي اللعبة التي تحاك في الشمال السوري، وما هو المقصد من حشر جميع الهاربين من بطش الأنظمة الحاكمة فيه؟
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد