عام ونيف مرّ على تحرير مدينة إدلب لتصبح المحافظة بعد ذلك كلها محررة، هذا ما جعلها “من المغضوب عليهم”، فنالت من ألوان القصف والدمار حتى صارت كغيرها من المدن السورية مدينة منكوبة، خلفت إثرها العديد من القصص والأوجاع بين خسارات بالأنفس والأرواح وخسارات مادية هائلة، هذه الحرب المريرة جعلت من الناس كالدمى بين يدي الموت والحرب تلعب بهم بلا مبالاة بمصائرهم وتقود بعضهم إلى اليائس من الحياة هنا.
محمد ابن الثلاثة والثلاثين عاما رب أسرة مكونة من أربعة أطفال وأم يسكن بالأجرة (20ألف ليرة سورية) وله محل في السوق أيضا تتجاوز أجرته ال (70 ألف ليرة) يزيد وينقص حسب ارتفاع وانخفاض الدولار- وكما هو المعهود فالدولار لم يذق طعم الاستقرار طوال السنوات الماضية، بل هو في ارتفاع مستمر- ويعمل من الثامنة صباحا حتى السابعة والنصف مساء في بيع المنظفات وبعض أغراض المؤونة يضعها على باب محله دون استراحة يقول محمد: ” عم نركض ورا اللقمة والله.. لقمة مغمسة بالدم”
تضرر محل محمد جراء قصف قوات النظام على مدينة إدلب أثناء التحرير، وخسر كل بضاعته وتراكمت عليه الديون والتي أيضا ترتفع وتنزل حسب الدولار، فلم يعد أحد يأمن الليرة والديون باتت بالدولار، يقول “أبو محمود “أحد دائني محمد: ” والله ما عم نأمّن نديّن بالسوري الليرة كل مالها عم تخسر قدام الدولار وترخص الليرة”.. لم تتوقف معاناة محمد هنا بل تعاظمت عند نزوحه إلى الريف بعد التحرير، كان الطيران الحربي لا يهدأ في سماء إدلب، فأخذ عائلته الى مدينة معرة مصرين واستأجر هناك هو عائلته ووالداه وأسرة أخته التي فقدت معيلها، وصار عليه إعالة ثلاث أسر.. ما زاد الأمر عليه صعوبة ومرارة.
مرت الأيام وعاد الى المدينة بعد الهدوء الذي ساد المدينة بسبب الهدنة المزعومة، وعاد لفتح دكان قرب دكانه القديم وبدأ يجلب البضاعة بالتدريج، إلا أن طيران النظام مجددا لم يترك مجالا لمحمد ليعمل بهنية وراحة فلاحقت القنابل العنقودية مصدر رزقه الوحيد والذي تعب في تكوينه وذلك قبيل رمضان بيوم واحد.. يعاود محمد الحديث: ” بعد ما مشي الحال.. ومشي الشغل.. الطيران ما تركلي أي شي المحل والبضاعة ع الأرض”
هكذا هم السوريون فيهم كثير من المثابرة وكثير من الأمل، كحال محمد الذي عاود إصلاح المحل، مستبشرا بشهر رمضان وخيره لعله يكون فأل خير عليه وعلى عياله..و قصة محمد ليست الوحيدة، فهناك الآلاف من الشباب يسعون وراء رزقهم وما تزال الحرب تحاصر لقمة عيشهم.
المركز الصحفي السوري – آية رضوان