هلَّ الهلال وأقبل رمضان.. رمضان شهر الصوم شهر البركة والخير، تزدحم فيه الضحكات وتمتلئ الأنفس بالرحمات، وكجمال هلاله ونوره أشرقت النفوس به مستبشرة منشدةً “مرحب مرحب بك يا هلال”، رمضان الذي تتآلف به القلوب فيه فرحة وترقب تسعد الكبير والصغير وعادات باتت من التراث الإسلامي الجميل.. من إحدى تلك العادات مهنة المسحراتي التي لم تكن مهنة فحسب بل تقليدا.. فيه من البهجة ما فيه.
المسحراتي ذاك الشخص الذي يستيقظ في وقت السحر ينشد بصوته ترانيم التهليل والتحميد ويذكر الناس بذكر الله ويوقظ النائم عن السحور، يقف الأولاد بفرحة على أبواب وشرفات منازلهم بترقب وشوق ليروا هذا الشخص مجهول الهوية الذي ينشد بعتمة الليل يحمل طبله الصغير، وفي دعابة لطيفة من الأهالي يتعمدون عدم معرفتهم شخص المسحراتي رغم درايتهم به، فهو ابن البلد وأحيانا نفس الحي، كنوع من التشويق للأولاد وإضفاء جوٍ من المرح على ليالي الشهر الفضيل.
كانت ولاتزال مهنة المسحراتي إحدى المباهج الروحية، بدأت منذ عصر الخليفة العباسي المنتصر بالله، حيث طاف والي مصر “عتبة بن إسحاق” بشوارعها مناديا على الناس بحديث الرسول الكريم: ” تسحروا فإن بالسحور بركة” مضيفا قبلها كلمة “عباد الله”، وكان أول من ضرب بالطبلة لإيقاظ النائمين داعما بها صوته الأجش، وعلى زمن الرسول الكريم أمر الرسول بأذانين فقال: “«إن بلالا يؤذن بالليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم»، وهاقد عاد من جديد المؤذن بأذانين إلى المناطق المحررة في سوريا بالإضافة إلى المسحراتي.
اختلف زي المسحراتي من بلد الى بلد، اشتهر ببلاد الشام بلبس القمباز والطربوش الأحمر والقميص الأبيض والمريولة، بينما اشتهر باليمن بلبس الدشداشة أو العباءة أي الزي التقليدي الذي ما زال حاضرا إلى الآن بتلك العمامة والحطاطة لأهل اليمن وأحيانا يكتفي المسحراتي بثيابه العادية التي يذهب بها إلى أعماله اليومية.
وكما تنوعت أناشيد المسحراتي وتعددت.. اتفقت بحين واختلفت بحين آخر بين البلدان العربية، فلكل بلد هويته الخاصة به على الرغم من وحدة العادات، ومن الترانيم المشهورة “يا نايم وحّد الدايم.. قوموا ع سحوركن إجا رمضان يزوركن”.. إلا أن الثورة السورية أضفت على هذه الأناشيد روحة ثورية جديدة فغيرت بألفاظ الأنشودة فباتت: “يا نايم قوم وحد الدايم والله بشار الأسد مو دايم.. وحدو ربك هو الدايم”، وغيرها من أناشيد تحمل في طياتها الروح الثورية مع طابع ترنيمي محبب لدى الأطفال والكبار على حد سواء.
مهنة المسحراتي وتقليده بدأ في مصر وانتشرت في أنحاء البلاد العربية، جسدت الروح الإيمانية، النابعة من الخوف على الآخر والاهتمام بأمور الناس والرعية بداية كما فعل والي مصر عتبة بن اسحاق.. فهي مهنة تدل على طيبة الروح العربية وحسن الأخلاق الإسلامية.. في شهر هو شهر الخير ومكارم الأخلاق.
المركز الصحفي السوري – آية رضوان