الأراضي السورية التي كانت عبر الأزمان عبارة عن بساتين خضراء رائعة الجمال، حيث الأشجار التي تغطي الجبال والوديان، والتي كانت مركز جذب للسياح خلال السنوات التي سبقت الحرب، فقد كانت مساحة الغابات الطبيعية في سوريا حوالي 232.8 ألف هكتار وموزعة على معظم المحافظات السورية، حيث كانت غابات البطم تغطي جبل البلعاس والشاعر وعبد العزيز و اللجاة، كما كانت أشجار الشوح والسنديان منتشرة في اللاذقية وغابات اللزاب في النبك، إضافة إلى المحميات والمنتزهات الطبيعية التي بلغ عددها حوالي 30 محمية وتغطي مساحة 186358 هكتاراً موزعة على كافة المحافظات.
إلا أن الحال لم يستمر على هذا النحو مع الحرب القائمة في سوريا منذ أكثر من خمس سنوات، حيث أن نيران الحرب والقصف المستمر على كافة المناطق السورية لابد أن يطول المناطق الخضراء فيها وتحول هذه المناطق بفعل آلات الحرب إلى أراضٍ سوداء بفعل حرق الأشجار، ثم تعرض المتبقي منها إلى القطع والمتاجرة به بسبب غياب الرقابة والمسؤولية وخاصة في الشتاء وذلك بسبب عدم توفر وسائل التدفئة من مواد المحروقات لغلاء اسعارها.
وقد قال “محمد” وهو أحد قاطني محافظة اللاذقية أن الشبيحة قد اتخذوا من الغابات مصدر رزق لهم، حيث لا يحتاجون إلا لمنشار وسيارة تنقل الخشب وقدرة وعزيمة على العمل، وعلى حد اعتباره فإنهم اتخذوا من الليل وقتاً لإنجاز عملهم حرصاً على عدم تعرض أحد لهم، حيث يتم قطع الخشب ونقله في سيارات كبيرة إلى الأرياف أو المدينة حسب الطلب، ويتم بيع الأخشاب حسب نوع الأشجار المستخدمة فكل نوع من الأشجار له سعر مختلف، سواءً سنديان أو صنوبر أو زيتون أو غيره، كما يختلف السعر حسب بعد المنطقة المأخوذ لها أو قربها .
أما عن كيفية نقل الحطب فقد قال محمد أنهم يتعرضون لصعوبات أحياناً في نقل الحطب وبيعه وخاصة من خلال مرورهم على حواجز الأمن، إلا أنه كما يقول فإنه تربطهم علاقات صداقة مع بعضهم ومصالح مشتركة، كما أنه لا أحد يقوم بعمل دون أن يكون هنالك مقابل ( مشيراً انه يتم إرضاؤهم بمبلغ معين مقابل مرورهم على الحواجز دون مشاكل)، كذلك فإن العاملين في مراكز الحراسة الحراجية أو الغابات هم في أغلب الأحيان يتغافلون عن أعمالهم وذلك بالتنسيق معهم رغم أنه بلغ عدد العاملين بمؤسسة حماية المناطق الحراجية حوالي 130 موظف فقط في محافظة اللاذقية، إلا أنهم لم يستطيعوا الحد من ظاهرة قطع الأشجار وتفحيمها وبيعها وخاصة في ظل التعاون والتجاوز الذي تقوم به بعض حواجز النظام والتغطية عليهم .
وفي ظل ذلك يكون المواطنون العاديون هم الفئة المستهدفة في عمليات التجارة حيث أنه مع ارتفاع أسعار المحروقات وحتى فقدانها يجعلهم يقومون بشراء الحطب، حيث يبقى بالنسبة لهم أوفر وأرخص من المازوت أو المحروقات بشكل عام حيث يبلغ كيلو الحطب 45 ليرة سوري ويتفاوت طبعاً حسب نوع الخشب، إلا أنه بكل الاحوال يبقى أرخص من اسعار المحروقات وأوفر للمواطنين .
وما هو يجب الانتباه له أن ما تتعرض له الثروة الحراجية والغابات من عمليات قطع يخدم النظام السوري وعملياته العسكرية، حيث كانت الاشجار تعيق لحد ما كشف المناطق بالكامل، فقطع الأشجار يتيح كشف مساحات أوسع من المناطق ويسهل عمليات القصف على القرى والبلدات وتحديد الأهداف بدقة أكبر.
إن ثروة الأشجار والغابات التي كانت سوريا على مدى الزمان تتمتع بها وتعطيها جمالية ونقاء في الهواء، باتت الآن ممتلئة بالغازات السامة ورائحة الدخان الناتج عن حرق الأشجار، أو باتت أراضٍ جرداء بسبب قطعها والاستفادة منها لتأمين حاجات المواطنين من مواد التدفئة وإبقائهم قدر الإمكان قادرين على تحمل المعاناة .
المركز الصحفي السوري ـ باريزان اليوسف