الكتاب هو إطلالة على سورية كسلطة وواقع سياسي وشبكة علاقات النظام السوري منذ عهد حافظ الأسد وما قبل؛ إلى بشار الأسد حتى أواخر عام 2012، وهو يعتمد طريقة الرصد لموضوعات منفصلة عن بعضها من حيث السرد، مرتبطة مع بعضها من حيث رسم اللوحة السياسية لسورية السلطة والسياسة والمجتمع وشبكة علاقة النظام السوري الإقليمية والدولية.
الأيام السورية: أحمد العربي
أولاً: يتتبع حسن صبرا واقع السياسة السورية منذ الخمسينيات ويؤكد دور حزب البعث في أغلب الأحداث السياسية في سورية، منذ الانقلابات الأولى لحسني الزعيم والحناوي والشيشكلي، ومحاولة الضباط البعثيين أن يصنعوا انقلابهم الخاص في الخمسينات، ورفض ميشيل عفلق قائد الحزب ورمزه لذلك، وكيف حل الحزب نفسه كشرط للوحدة مع مصر عبد الناصر 1958، وكيف تم إبعاد الضباط البعثيين إلى مصر(الإقليم الجنوبي)، احتراساً من عبد الناصر أن يكون لهم دور سلبي من خلال تواجدهم في سورية أيام الوحدة، وكيف تكتل هؤلاء الضباط في مصر وصنعوا تنظيمهم السري البعثي (اللجنة العسكرية)، وكان على رأسها حافظ الأسد وصلاح جديد ومحمد عمران (وكلهم علويين) ومعهم أحمد المير (إسماعيلي)، وتوسعت بعد ذلك لتضم من بقية الطوائف والسنة، ولكن بقيت منذ التأسيس ذات هيمنة طائفية للعلويين عليها.
هذه اللجنة العسكرية سيكون لها دور في محاولة إعادة إحياء حزب البعث مجدداً، من خلال دعوة قادته التاريخيين: ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار (الذي كان وقع وثيقة الانفصال، وكانت خطيئة عمره)، وبدأ الإعداد للانقلاب على الانفصال، خاصة أن أغلب الشعب السوري يرفض الانفصال ويتوق لعودة الوحدة مع مصر، وأن أغلب الضباط السوريين كانوا ناصريين مستقلين غير منظمين لكنهم كثر، وتحالف البعث عبر لجنته العسكرية مع الضباط الناصريين وبعض الضباط المستقلين وأسقطوا الانفصال في انقلاب آذار 1963.
ثانياً: تابع المؤلف مسار اللجنة العسكرية البعثية وعلى رأسها محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد؛ الذي أُعيد للجيش ورفِّع لرتبة لواء وسلم قيادة القوى الجوية، والتي رتبت البيت الداخلي للبعث وأعادت القيادة السياسية عفلق والبيطار، ولكن احتفظت بحضورهم الرمزي فقط، وصفت الجيش من الضباط الناصريين بقيادة جاسم علوان، الذي حاول الانقلاب على البعثيين الذين بدؤوا يبعدون الناصريين عن الجيش وعن المواقع المؤثرة فيه، وحصلت إعدامات وتسريحات أغلبهم، وسرعان ما سيختلف البعث المدني عفلق والبيطار مع اللجنة العسكرية، ويتم انقلاب داخلي في شباط 1966، يثبت الهيمنة للجنة العسكرية بقيادة حافظ الأسد وصلاح جديد، ويتم إبعاد القيادة المدنية المسماة “قومية” من سورية، ومعها محمد عمران من قيادة اللجنة العسكرية إلى لبنان، حيث تغادر القيادة القومية عفلق والبيطار وآخرين إلى العراق؛ حيث سيطر حزب البعث هناك قبل سورية بشهر واحد في شباط 1963، وسرعان ما سيظهر الاختلاف بين صلاح جديد أمين البعث الجديد، وحافظ الأسد وزير الدفاع، ويختلفان على الهيمنة وعلى السياسات الداخلية والخارجية، ويؤدي أخيراً لإزاحة صلاح جديد وفريقه، وهيمنة حافظ الأسد وفريقه بعد انقلاب 1970، الذي سمي حركة تصحيحية.
ثالثاً: منذ عام 1970 واستلام حافظ الأسد السلطة بشكل مطلق في سورية، وهو يعمل على محورة كل مفاصل الدولة الأساسية حول نفسه وعائلته والطائفة العلوية، مبتدئاً من الجيش والأمن ثم إلى كل مراكز الدولة الأخرى ومناشطها ووزاراتها، سيختار مجموعة من الوجوه السياسية والعسكرية السنية لتغطية حقيقة نظامه الطائفي العلوي، فيعتمد على مصطفى طلاس كوزير للدفاع إلى وفاة حافظ الأسد، وكذلك رئاسة الأركان لحكمت الشهابي، ووزيراً للخارجية ثم نائباً للرئيس عبد الحليم خدام، ونائباً لأمين القيادة القومية للبعث عبد الله الأحمر.. إلخ، وأغلبهم أو كلهم تأبد في مناصبه مع الأسد، طالما حافظوا على الولاء له وتنفيذ سياساته كل الوقت بطاعة عمياء.
أما السلطة الفعلية في الجيش والأمن فهي لضباط ومسؤولين علويين، وإن كان البعض غير علوي، فإن نائبه المتنفذ الأصلي علوي.
سينهي الأسد كل المختلفين مع سياساته داخلياً، وسيصنع له شبكة مصالح خارجية.
رابعاً: الديمقراطي معهم، وكيف كانت ردة فعل رفعت الأسد على محاولة اغتيال حافظ، ومجزرة تدمر التي راح ضحيتها الآلاف سواء بمذبحة مباشرة أو الإعدامات الدائمة عبر سنوات، وكذلك مجازر حماة وحلب وجسر الشغور وغيرها، وكيف أصبحت سورية بلداً خالياً من أي صوت معارض وإن وجد الندرة فهم عاجزون عن أي تأثير مجتمعي ضد النظام.
خامساً: سيطل الكاتب على تمركز السلطة اقتصادياً في يد حافظ الأسد وعصابته، وكيفية صناعة امبراطورية المال في يد الضباط وقيادات الأمن العلويين منذ حافظ الأسد وتوسعها ووضوح هيمنتها الاقتصادية في عهد بشار الأسد؛ ممثلة برامي مخلوف ومن حوله.
سادساً: يتحدث الكاتب عن تفكير حافظ الأسد بتوريث الحكم إلى ابنه باسل، وكيف تم إبعاد أخيه رفعت حيث حاول الانقلاب عليه بعد مرضه في الثمانينيات، وكيفية عزله وإرساله إلى فرنسا محملاً بمئات ملايين الدولارات المأخوذة من معمر القذافي رئيس ليبيا وقتها، وكيف قتل باسل بسيارته على طريق مطار دمشق الدولي، وتم استحضار بشار الأسد الابن الثاني وتجهيزه ليكون وريثاً للحكم، وكيفية وسرعة تأهيله عسكرياً، حيث أصبح رائداً في شهور، ثم عقيداً، ثم كيف بدأ حافظ يصدر بشار إلى الخارج، حيث سلمه ملف لبنان، وجعله عقدة الوصل بينه وبين القيادات العسكرية والأمنية، وكيف بدأ بشار بصناعة مجموعته العسكرية والأمنية الخاصة، وكيف أبعد حافظ كل منافس محتمل من طريق بشار، من القيادات الأمنية والعسكرية، وبعض من استصغره أو تهكم عليه أو أساء له كعلي حيدر. وسيصل أخيراً بشار الأسد ليكون حاكم سورية الجديد، حيث اجتمع مجلس الشعب وعدل الدستور ليطابق سن بشار الأسد، ويرشحه الحزب وانتخبه مجلس الشعب، وأصبح قائداً للجيش والقوات المسلحة ورئيساً للجمهورية بعد وفاة حافظ، بعملية انتقال سلس للسلطة في سورية.
سابعاً: يتحدث المؤلف عن مرحلة بشار، وادعائه استعداده لفتح صفحة جديدة في موضوع المشاركة السياسية والديمقراطية، وافتتاح المنتديات، وربيع دمشق، وانتعاش المثقفين والسياسيين، واصدار بيانات متتالية: التسع والتسعين ثم الألف، وتشكيل منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، وكيف انقلب بشار على الحراك المدني والسياسي وأغلق المنتديات وزج أهم الناشطين بالسجون، وعادت سورية دولة القمع وجمهورية الصمت السياسي.
يتحدث عن التحول الاقتصادي إلى اقتصاد السوق وتركيز القوة الاقتصادية بيد رامي مخلوف وعصبته، ابن خال بشار الأسد بصفته واجهة عائلة الأسد الاقتصادية.
ثامناً: يتحدث الكاتب باستفاضة عن علاقة النظام السوري بلبنان ودوره فيه، منذ الدخول السوري إلى لبنان على إثر الحرب الأهلية أواسط سبعينيات القرن الماضي، حتى لحظة كتابة الكتاب يتحدث عن خمسين عاماً من الحضور السوري في لبنان، تحت دعوى حمايته من الاجتياح الإسرائيلي، ولضبط الصراع بين الثورة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، المتحالفة مع القوى الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط، وكيف كان الدخول مقدمة للسيطرة المطلقة على لبنان دولة وشعباً، وتحوله إلى موقع استثمار سياسي واقتصادي للنظام السوري وشبكته العسكرية الأمنية.
سنعرف تفاصيل حول اغتيال كمال جنبلاط بيد نظام حافظ الأسد، بعد أن وصل الخلاف إلى مرحلة الصدام، جنبلاط مع المصالحة الوطنية والاستقلال في الإرادة والحكم للبنان، وحافظ الأسد يريد استتباع لبنان لسلطته وبرضاً أمريكي (إسرائيلي)، للقيام بدور أساسي في إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح للفدائيين في لبنان، بالتناغم مع الاجتياح (الإسرائيلي) للبنان 1982، والذي أدى لخروج الفدائيين من بيروت ثم من طرابلس 1983، تحت دك مدافع النظام السوري، متستراً بأحمد جبريل عميلها الفلسطيني الصغير، الذي ما زال يجند بعض المرتزقة الفلسطينيين ضد ثورة الشعب السوري حتى الآن.
سيسرد الكاتب تفاصيل كثيرة عن علاقة النظام السوري مع لبنان منذ دخوله إليه، ودوره في اتفاق الطائف، ودور العربية السعودية فيه أيضاً، وبداية التعامل بين حافظ الأسد ورفيق الحريري، الذي سيكون عراب الحل والتسوية في لبنان، وعبر ضخ الأموال التي ترضي الأطراف وخاصة النظام السوري وأركانه المهيمنة في لبنان، غازي كنعان ورستم غزالة، وتطورات العلاقة كمقدمة للقرار الأممي 1559، واغتيال الحريري، والخروج السوري من لبنان 2005، والمحكمة الدولية لاغتيال الحريري واتهام النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد وأركان حكمه بهذه الجريمة، ويمر على رعاية النظام السوري للمصالح المشتركة مع إيران في لبنان منذ حركة الخميني 1979، والعمل على خلق حزب الله من إيران واستيعابه وتحويله لأداة بيد النظام السوري، تستخدم عند الحاجة سواء في الملف الداخلي اللبناني، أو على الحدود مع فلسطين كسلاح يستخدم لخدمة سياسة النظام بمواجهة الإسرائيليين، وكيف سيعوض وجود حزب الله خروج النظام السوري من لبنان، بكونه محتكر السلاح والقوة في لبنان، تحت حجة مقاومة العدو الصهيوني.
تاسعاً: يغطي الكاتب العلاقة المعقدة بين نظام حافظ الأسد ومن ثم ابنه مع القضية الفلسطينية، فهو نظام مدعٍ سياسياً بأنه يريد تحرير فلسطين، وتحرير الجولان التي خسرها النظام في حرب 1967 مع (إسرائيل)، والتي سيعمل على مواجهة عار الهزيمة حيث كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع السوري حينها، ويتحرك مع السادات لصناعة حرب 1973، التي كان نتيجتها كامب ديفيد والصلح بين مصر السادات و(إسرائيل)، واتفاق حافظ الأسد الاستراتيجي مع (إسرائيل) بفك الارتباط في الجولان الذي حول الجبهة السورية لمنطقة هادئة لعقود، وعمل حافظ الأسد للهيمنة على الثورة الفلسطينية، لاستثمارها وفق أجندته، سيصطدم مع أبو عمار ياسر عرفات، ولن يتفقا حتى موتهما، سيستخدم أحمد جبريل ومنظمته لأهدافه المباشرة لتخريب الثورة، حيث استخدمه كواجهة لإخراج أبو عمار من طرابلس 1983، سيتعامل مع منظمة أبو نضال التي انتقلت من حضن العراق إلى حضن سورية، ويستخدمها كبندقية للإيجار، بأعمال إرهاب ضد دول وممثليها لخدمة دول أخرى دون أي فائدة للقضية الفلسطينية، بل تضرها، من احتضان العراق لأبي نضال ومن ثم القذافي إلى سورية، كان اداة استخبارية سيئة، وانطفأت عندما انتهى دورها.
عاشراً: يتحدث الكاتب كثيراً عن علاقة حافظ الأسد مع حكم البعث في العراق، راصداً صراع الإخوة الأعداء، وكيفية استثمار هذه العلاقة من قبل الأسد الأب والابن لمصلحة نظامه، منذ أيام صدام حسين إلى احتلال العراق، وحتى الآن.
يتحدث أيضاً عن تفاصيل العلاقة بين النظام السوري مع إيران، حيث كانت أيام حافظ الأسد شبه ندية، وكيف أصبحت في عهد بشار الأسد تبعية كاملة، خاصة بعد أن أصبح النظام أسيراً لحضور حزب الله العسكري والمليشيات الطائفية العراقية والأفغانية والجيش الإيراني وبتروله والضخ المالي والاقتصادي، التي لولاها ولولا الدعم الروسي العسكري المطلق لسقط النظام السوري منذ سنوات.
أخيراً: الكتاب شهادة ممتلئة بالمعلومات، وفيه الكثير من المعلومات المأخوذة من أصحاب العلاقة مباشرة، ومن الصعب أن نحيط بكل ما ذكر، المهم أنه يمثل- مع غيره من الكتب والوثائق- شهادة تدين النظام السوري برمزية حافظ الأسد ومن ثم بشار الأسد وعصبتهما، اللذين قادا سورية لتصبح دولة فاشلة: أكثر من مليون شهيد ومثلهم مصاب ومعاق، وأكثر من 12 مليون إنسان لاجئ داخل سورية وخارجها، وأكثر من نصف البلاد مدمر، سورية محتلة عملياً من الإيرانيين والروس والمليشيا الطائفية، وسورية التي أصبحت محتلة من الأمريكان الذين يغطون الانفصاليين الأكراد ال ب ي د (قوات سورية الديمقراطية)، سورية التي أصبحت مسرحاً لصراع دولي إقليمي، وقوده الدماء السورية، وحاضر سورية ومستقبلها، ومستقبل شعبها، المنتظر على أبواب المؤتمرات الدولية، والتي على الأغلب تحاول إعادة إنتاج نظام الأسد الذي خدم كل الأعداء وعلى رأسهم (إسرائيل).
الكتاب ينتهي قبل سنوات من التدوين، وما حصل بهذه السنوات أكّد أن النظام العالمي الظالم للشعب السوري، سيعمل لعدم سقوط العائلة الأسدية، أما الشعب السوري وثورته فما زال يتحرك من أجل أهدافه المعلنة أصلاً، مراكمة على إصراره كل ما حصل مع الشعب السوري من مآسي: الحرية والكرامة والعدالة واسقاط الاستبداد وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية… ولو بعد حين.
حسن صبرا: صحفي لبناني من الجيل القديم، ولد بتاريخ 30مايو 1947م، مطّلع عن قرب على أغلب الأحداث التي مرت في لبنان وسورية منذ السبعينيات حتى الآن، هو رئيس تحرير مجلة الشراع الأسبوعية اللبنانية التي فجرت فضيحة إيران غيت؛ حيث كشف حسن صبرا صفقات الأسلحة الإسرائيلية إلى إيران أيام الحرب العراقية-الإيرانية، بالمختصر حسن صبرا جزء من الخلفية الصحفية المطلة على كل ما يحدث بالمنطقة، وخاصة في سورية ولبنان عن قرب ومن خلال صنّاع الحدث نفسه، ومن هنا تأتي أهمية كتابه أو شهادته.
إصدار: الدار العربية للعلوم ناشرون.
.ط1 + ط2 عام 2013. ورقية.