ليس بعد النزوح إلا النزوح هذه الكلمات التي قالتها:( أم عباس) والتي نزحت منذ حوالي عام ضمن سلسلة التهجير القسري والتغيير الديموغرافي الذي ينتهجه النظام السوري وحلفاؤه الإقليميين, سواء الروس أو الإيرانيين, بعد حملة شرسة دامت شهور على الأحياء الشرقية ومحاصرتها في مدينة حلب.
تقول أم عباس: “كنت ضمن القافلة التي اعترضتها ميليشيات يعتقد أنها تتبع لحزب الله اللبناني, وقد أجبرونا على النزول من الحافلات واهانت كل الموجودين بالشتم والضرب والسرقة، لم أكن وقتها أستطع التفكير سوى بالخوف على أولادي لكن تبادر إلى ذهني: من هؤلاء؟ ماذا يفعلون في سوريا؟ لماذا هم موجودون؟ ليقطع أفكاري كلمة شتم لي تجعلني اقشعر منها)
تتحدث وعيناها تذرفان الدمع مما حصل من مجازر ودم عندما كانت في حلب, وهي من سكان حي الصاخور الذي يتبع للأحياء الشرقية في حلب وقد سيطرت عليه قوات النظام تحت غطاء من القصف الممنهج على الأحياء الشرقية ليصبح القسم الشمالي الشرقي من حلب خارج سيطرة المعارضة وهو يعادل 40 بالمئة من الأحياء الشرقية التي كانت تحت الحصار.
هي أرملة أربعينية في العمر لديها 7 اطفال وقد فقدت زوجها وأربعة من أطفالها أثناء القصف على حي الصاخور،
تقول أم عباس: “فقدت أولادي عباس بعمر 16 وابنتي هيام عمرها 14 ومحمود وابراهيم توأمان بعمر 11 عاماً طبعاً فقدتهم في القصف على حلب، ليبقى أحمد وحسين وسالم”
تروي رحلة نزوحها التي اتصفت بالضياع واليأس قائلة: “بعدما خرجت من مناطق حلب توجهت إلى ريف إدلب الشرقي وبالتحديد إلى منطقة “سنجار”, وحصلت هناك على منزل للعيش فيه, والمنزل كان مؤلفاً من غرفة واحدة ومطبخ, إلا أنني لم أستطع التأقلم مع الوضع مما اضطرني للذهاب الى مخيم قريب هناك للسكن وتأمين بعض الاحتياجات بسبب ظروفي القاسية أنا وأبنائي الذين حرموا من التعليم بسبب ظروف الحرب”
تصمت برهة لتنفجر بصرخة بكاء مكبوتة وتقول “نازحة والآن أنزح”
هل كتب علينا النزوح مدى الحياة؟
هل أصبحنا بالفعل من أهل الشتات من مكان إلى مكان؟
أم عباس هي أسرة من بين 50 ألف عائلة نزحت من تلك المنطقة التي تشهد منذ حوالي الشهر حملة تصعيد عسكري عنيف من قوات النظام والميليشيات المساندة لها بدعم الطيران الروسي الذي يشن حملة قصف ممنهج دون رادع إنساني أو أخلاقي على ريفي ادلب وحماة.
تقول: اضطررت الى النزوح باتجاه مخيمات “أطمة” وعانيت ما عانيته من مشقات الحياة, وكان هناك من ساعدني من الجيران، وأبقى امرأة أرملة ولي خصوصيتي وأطفالي مازالوا صغارا، أبحث عن خيمة تأوي إليها في برد الشتاء القارس.
هل كتب بالفعل على هذا الشعب العذاب والشقاء المستمرين والعيش في مكان لا يربطهم به سوى ذكرى الألم والذل.
عيون دامعة, وجوه مكفهرة, أطفال ترتجف من البرد, نساء اعتصرها الألم والخوف من مستقبل مجهول,
مئات الأطفال وأمهاتهم الأرامل يبكون يومياً بحثاً عما يسد رمقهم اليومي وأغطية تمنحهم الدفء لأجسادهم الباردة.
المركز الصحفي السوري – أماني مطر