قصة دريد, شاب من الدفاع المدني
خط صغير يفصل بين حياته وموته، ولكن الأمر عنده وعند من مثله لا يحسب بهذه الطريقة، بل إن كل نفس يستطيع إنقاذها تزيد في عمره أياما طويلة وحافزا يعطيه نكهة أخرى للحياة، نكهة ممزوجة بهدف سام لا يجعله يشعر بالهزيمة أمام كل الظروف التي تعصف بما حوله، وتصبح القمة هنا هي أن يعطي أكثر فأكثر، حتى تزهر حياته بأنفاس غيره، رجال عاهدوا الله وشباب في مقتبل العمر يلخصون العطاء، بلباس أزرق وقبعات بيضاء.
(دريد )شاب في منتصف العشرينات انخرط بفرق بالدفاع المدني منذ سنتين، ومذ حينها وهو يعتبر أن الحياة أصبحت ذات معنى ولها بعدا آخر.
يقول (دريد) لقد تركت جامعتي وكنت أدرس قبل أربع سنوات تقريبا في السنة الثالثة قسم الأدب العربي ، وكانت جامعتي في مناطق تابعة للنظام، كانت هناك مضايقات وبدأت الملاحقات ضد من هم ضد النظام، كان بيتي في المناطق المحررة، وبحاجة ماسة للمساعدة لأن القصف والدمار كان يطالها من قبل النظام، وبعد أكثر من سنة من جلوسي دون عمل، وفقت بالوصول لأن أعمل مع فرق الدفاع المدني، كنا مجموعة من الشباب المتطوعين دون اي خلفية لمعرفة كيفية إنقاذ المدنيين، ولكن كان همنا ان نتعلم كيف ننقذ ونتعلم أكثر عن هذا العمل، وبالفعل قمنا بدورات و تدريبات لمدة شهور، حتى بدأنا نعمل يشكل منظم ومحترف، وبدأنا نباشر وننقذ ونلاحق أي مكان يكون فيه قصف للمدنيين ونتجه فورا إلى المكان في محاولة لإنقاذ أكبر من (المدنيين) ورغم كل الصعوبات وقلة الموارد والمحفزات والمخاطر الشديدة التي يتعرضون لها.
يجد دريد ورفاقه أن الحافز هو تلك النظرة والابتسامة التي يرمقهم بها من يستطيعون إنقاذه من تحت الأنقاض، والتي تكون كفيلة بأن تعطيهم هدفا أسمى كل مرة، يبحثون عنه باستمرار في عيون الذين يشعرون بالامتنان، لهم ولكن دريد يتعرض لمواقف صعبة جدا تجعله يقف قليلا ليعيد حساباته، يحكي دريد عن بعض المواقف التي تمر به: “كنا أنا ورفاقي غير معتادين على مظهر الدم ونتعب لأقل موقف ونحن بعد حملات التوعية والتدريب، في عدة مجالات كالتمريض والحرائق، بدأ العمل يأخذ نمطا آخر، ونحن دائمي التحسين من أنفسنا، ولكن هناك مواقف تعرضت لها وكانت قاسية واحدها هي تلك المرة بعد تحرير جسر الشغور وقد تعرضت للقصف الشديد من قبل النظام، توجهنا لإنقاذ المدنيين، بعد حوالي ساعة من عمليات البحث والإنقاذ، كان هناك صوت يناديني وسط صراخ الناس والأشلاء، لم أنتبه للصوت، ولكنه تكرر وتكرر، حتى توجهت إليه، فوجدته ابن عمي وجثث عمي وزوجته بجانبه، وكان ابن عمي بحالة صعبة جدا، كان هذا من احزن المواقف التي تعرضت لها”.
لم يكن ذلك الموقف الوحيد الذي واجهه دريد بقوة رغم حزنه، يحكي دريد قصة أخرى جعلته يقف عاجزا أمام حزنه عندما توجه احد زملاءه في الفريق بعد مناوبته لبيته وبالصدفة تعرضت بلدته للقصف، وهناك كان من الفريق ان توجهوا للبدء بعملهم.
“بعد أن وجدنا وأنقذنا من استطعنا، وسط كل ذلك الركام، كنا ننقذ الأطفال وهم مغطيون تماما بالتراب ولكنا حينما نخرجهم يشهقون شهقة الحياة وكأنهم ولدوا من جديد، لا أستطيع وصف شعورنا بالفرح، ثم بدأنا بإسعاف الناس، كنا نركب في السيارة ونحن نسعف شابا، وهو مغطى بالدماء والتراب، ولكنه كان يشد على يدي، ولا أعرف ما ذا يريد لأنه لا يستطيع الكلام، وقد صدمت في المشفى حين وجدته صديقنا في الفريق، وقد فقد بصره بعد ذلك، لم أنسى هذا الموقف ولن أنساه طوال عمري”.
إن عمل دريد كان له تأثيرا كبيرا على حياته، وجعل أهله في البدء يعارضون خوفا عليه خاصة أمه، (صالح )أخ دريد الأكبر تحدث لنا بعض الخبايا التي واجهها دريد مع أمه وما هي النصائح التي توصيه بها دائما:
“كانت أمي خائفة جدا على أخي، ولكننا استطعنا إقناعها، وقد كنا نعرض لها مقاطع الفيديو التي ينقذ فيها اخي ورفاقه الناس، كانت ترفع رأسها به، وبدأت تتقبل الأمر بصبر ورضا، خاصة أنها تؤمن بالقضاء والقدر، وتحتسب عند الله، كلنا نشجع دريد فانخراطه بهذه المسؤولية يجعلنا فخورين به جدا، فهو يساعد الناس ويعطي الناس أملا جديدا, وبكننا دائما ما نحذرهم هو ورفاقه بالحذر من قصف النظام الذي يستهدفهم كي لا يسعفوا أحدا, فالنظام هدفه أن يقتل أكبر عددا منهم لقد قتل لحد الان ممن رفاق اخي أكثر من 135 وهذا يؤكد أن الأمر مقصود, إن أكثر وصايا أمي والتي سأفشيها لك الآن هو أنها تقول لدردي (الله يرضى عليك يا دريد وقت يقصف النظام اول مرة لا تطلعوا دغري استنوا شوي مشان ما يستهدفكن) وكل هذا خوفا على دريد ورفاقه، ولكنها متماسكة وقوية وتنصحه بإنقاذ الناس دائما”.
دريد يجد أن مهنته غيرته كثيرا, فقد أصبح لحياته هدفا أسمى بكثير, وبقول أنه يتعب أحيانا ولكن نظرة واحدة من طفل يبصر الحياة بعد إنقاذه كفيلة أن تجعل حياته ذات معنى وقيمة, وأن الأحلام الكثيرة التي كان يحلم قبل أن ينضم للفريق, باتت أكثر وضوحا وهي أن تعيش لأجل الآخرين لا من أجل نفسك فقط وهذه أرفع قيمة لحياتك.
المركز الصحفي السوري ـ زهرة محمد