بعد إعلان روسيا وتركيا التوصل لاتفاق يقضي بوقف إطلاق النار في سوريا، عبر العديد من المحلليين عن خشيتهم من فشل الاتفاق على غرار الاتفاقات السابقة وأكدوا صعوبة تنفيذه في ظل احتدام الصراع على الأرض والاستمرار في تبادل الاتهامات بين قوات النظام والمعارضة في المدن المشتعلة داخل الأراضي السورية.
ومع مرور الوقت، وبعد أيام قليلة على توقيع الاتفاق، كشفت صحيفة تركية عن الخطة التي أعدها المسؤولون الأتراك والروس لضمان نجاح الاتفاق والتي تقضي بإقامة نقاط مشتركة لمراقبة الهدنة بين النظام وفصائل المعارضة والأحزاب الأخرى.
ويرى بعض المحللين في التقارب الروسي التركي الذي أدى إلى التوصل لهذا الاتفاق، دلالات عدة تشير إلى إصرار مسؤولي البلدين على إرسال رسائل سياسية لأطراف عديدة أبرزها الولايات المتحدة الأميركية لا سيما وهي تستعد لاستقبال رئيسها الجديد المثير للجدل دونالد ترامب.
تركيا والضوء الأخضر الأميركي
وتعقيباً على الاتفاق، يقول الباحث التركي جان أجون لـ”هافينغتون بوست عربي” إنه يرى في الاتفاق الروسي التركي رسالة تحمل في طياتها العديد من التلميحات لجهات عديدة، مفادها أنه وعلى الرغم من توتر العلاقات الثنائية بين البلدين بعد حادثة إسقاط السلطات التركية للطائرة الحربية الروسية في العام الماضي، استطاع الجانبان تجاوز خلافاتهما والتوصل لصيغة تفاهم من شأنها أن تُعجل في حل القضية السورية بمنأى عن موقف الولايات المتحدة الأميركية التي لا يخفى على أحد تقلص دورها في المشاورات الخاصة بالقضية السورية، وفقاً لأجون.
ويضيف الباحث أنه يستبعد فرضية حصول السلطات التركية على الضوء الأخضر من الإدارة الأميركية لتوقيع الاتفاق مع روسيا، مشيراً إلى أن حكومة بلاده لا تشعر بالرضى عن سياسات البيت الأبيض تجاه الصراع الدائر في سوريا وتحديداً فيما يتعلق بدعمها المتواصل للأحزاب الكردية الناشطة في سوريا والتي تصنفها أنقرة بالأحزاب الإرهابية.
وبالنسبة لآيمري إرشان، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مرمرة، فإن الاتفاق جاء كـ “ردة فعلٍ متوقعة” من المسؤولين الأتراك على سياسات الولايات المتحدة الأميركية التي يلخصها إيمري في تقطتين.
الأولى هي سياسة دعم السلطات الأميركية للمنظمات والأحزاب الكردية في سوريا، والثانية هي تسليم الداعية التركي فتح الله غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا للسلطات التركية التي تتهمه بالتخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016.
قاعدة إنجرليك ورسائل التهديد
وتناولت وسائل الإعلام التركية خلال الأيام التي تلت توقيع الاتفاق تقاريراً تحدثت عن قرب إغلاق السلطات التركية لقاعدة إنجرليك الجوية أمام القوات الأميركية، قبل أن يخرج عدد من المسؤولين الأتراك وأبرزهم وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو ويفندوا تلك التقارير.
وزير الخارجية التركي لم يكتف بنفي الخبر وحسب، بل وجه رسالة مبطنة أكد فيها أن القاعدة فُتحت أمام قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وفي حال قررت تلك القوات عدم المساعدة في ضرب عناصر ومواقع تنظيم داعش فإنه لن يبقى أي أهمية لوجودها، على حد تعبيره.
ويؤكد الباحث التركي أجون أن تصريحات الوزير التركي رسالة مهمة للولايات المتحدة ودول الغرب، أما الأستاذ المساعد إرشان فيرى الحديث عن إغلاق القاعدة مجرد وسيلة تحاول من خلالها السلطات الضغط على الولايات المتحدة الأميركية لتغيير سياساتها مستبعداً أن يتم إغلاقها خلال الفترة القادمة.
من المستفيد من الاتفاق
ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مرمرة التركي إيمري إرشان، أن إيران وروسيا وتركيا لعبت وتلعب أدواراً هامة في سوريا خلال السنوات الأخيرة وذلك بسبب نفوذها وعلاقاتها القوية التي تربطها سواءً بالنظام السوري أو قوى المعارضة.
ويشير إرشان إلى أن الدور الذي تلعبه الدول الثلاث ساهم بشكل أو بآخر في تقزيم الموقف الأميركي في الصراع السوري وهو ما انعكس على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مؤخراً، حسب إرشان.
ويؤكد السيد إرشان أن جميع الأطراف مستفيدة من الاتفاق، إلا أنه يرى أن تركيا هي المستفيد الأول منه نظراً لعوامل عديدة أبرزها -كما يؤكد- محاولاتها لوقف الهجمات الإرهابية التي ضربتها خلال الأشهر الأخيرة الماضية وخلفت مئات القتلى وآلاف الجرحى، بالإضافة لضمانها استمرار عملية درع الفرات التي تقودها القوات التركية لتحرير بعض المدن الحدودية من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
ترامب لن يغير شيئاً
يجمع المحللون الأتراك على أن وصول ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية لن يؤثر كثيراً على العلاقات الروسية التركية بل سيزيدها قوة نظراً لتقارب مواقف ترامب وروسيا فيما يتعلق بالشأن السوري، على حد تعبيرهم.
ولا يتوقع المحللون أن تقوم إدارة ترامب بتسليم الدعية التركي فتح الله غولن لتركيا وهو ما سيحافظ على فتور العلاقات بين البلدين.
ومع اختلاف وجهات النظر وتسارع الأحداث في المنطقة يترقب المحللون ما سيسفر عنه الاتفاق الروسي التركي الإيراني خلال الأيام المقبلة مع التأكيد على مخاوفهم من خرق الاتفاق وتداعياته.
المصدر:هيوفنغتون بوست عربي