أنقرة تعتبر أن الدول الغربية لا تبدو متحمسة لإحياء مسار جنيف، وتعتبر أن أستانة قد تكون المنصة الجديدة لتسوية الأزمة السورية.
دمشق – عكست تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الخميس، بشأن إمكانية إيجاد مسار بديل عن جنيف لتسوية الأزمة السورية، نجاح روسيا في إحداث ثغرة في الموقف الرافض لهذا التوجه، الذي يعني في حال تحقق ضرب دور الأمم المتحدة في عملية السلام بخصوص سوريا.
وقال وزير الخارجية التركي إن أكبر مشكلة في سوريا هي عدم إعادة إحياء مسيرة جنيف، التي لم تتكلل بأي خطوة ملموسة، بسبب عدم رغبة النظام السوري في بحث أي موضوع مع المعارضة أو الآخرين.
ولفت جاويش أوغلو إلى أن الدول الغربية أيضا لا تبدو متحمسة لإحياء مسار جنيف. وأضاف “أخشى أنه في حال لم يتطور هذا الأمر في جنيف، ولم تتخذ خطوات، يمكن التوجه نحو منصة أخرى، قد تكون أستانة على سبيل المثال”.
وبخصوص العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، ذكر الوزير التركي أنه سيلتقي بنظيره الأميركي مايك بومبيو، في 4 يونيو، لافتا إلى وجود مذكرة تفاهم أولية بين البلدين، لحل القضايا الخلافية، لم يتسن المصادقة عليها، نظرا إلى تغير وزير الخارجية الأميركي.
وتنص المذكرة التي وقعها وزير الخارجية الأميركي المقال ريكس تيلرسون في فبراير الماضي على خروج وحدات حماية الشعب الكردي التي تصنفها تركيا تنظيما إرهابيا من مدينة منبج في ريف حلب، ويبدو أن هذه المذكرة ليست بوارد أن ترى النور لجهة أن الموقف الأميركي على حاله في دعم الوحدات وبدا ذلك واضحا من خلال تعزيز الولايات المتحدة حمايتها لهذا التنظيم في منبج بإنشاء قاعدة عسكرية هناك للتصدي للتهديدات التركية.
وتعتبر الوحدات الكردية رأس حربة في الحرب التي يخوضها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وقد سعت أنقرة مرارا لإقناع واشنطن بضرورة وقف التعاون مع الوحدات بيد أن محاولاتها باءت بالفشل، ولا يرجح أن تحقق خرقا في المستقبل.
ويرى مراقبون أن تصريحات مولود جاويش أوغلو الأخيرة تكرس حجم التقارب التركي الحاصل مع روسيا في سوريا، في مقابل تباعد واضح في العلاقة مع الولايات المتحدة، ولا يستبعد مراقبون أن تتولى تركيا دعم المبادرة الروسية في إيجاد منبر بديل عن جنيف.
وتعمل روسيا على خلق منصة جديدة لحل الصراع السوري بما يتوافق مع مصالحها ورؤاها السياسية لتسوية الأزمة، وترى أن منصة أستانة التي أنشئت منذ أكثر من عام لدعم خطط وقف التصعيد وتضم إلى جانب موسكو كلا من طهران وأنقرة، الخيار الأمثل.
وقد طرحت روسيا في الاجتماع الأخير بالعاصمة الكازاخستانية والذي انتهى الثلاثاء الماضي مقترح أن تكون الجولة المقبلة من أستانة المقررة في يوليو بسوتشي، لما يحمله ذلك من دلالات سياسية تعني احتكارها لمسار التسوية في سوريا خاصة بعد نجاحها في قلب موازين القوى على الأرض بشكل جذري لصالح حليفها الرئيس بشار الأسد.
وقال ألكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا في ختام جولة أستانة التاسعة “لقد اتفقنا على عقد اللقاء التالي في مدينة سوتشي الروسية، أخذًا في الاعتبار تطور الوضع في الأرض والوقائع الجديدة، نريد إعطاء دفعة لمسار أستانة و(نريد) عملا جديدا”.
وأضاف “في هذه المرحلة، سوتشي تلبي المطالب المطروحة اليوم. ليس المهم مكان عقد اللقاء الرفيع، يمكن أن يكون في أي مكان، المهم التأكيد على أن عملية أستانة ستستمر، وإطار أستانة سيظل موجودا. اللقاء الذي سيجري لا يعني أن أستانة ستتوقف، ولن تعقد جولة فيها، أستانة ستظل باقية”.
وفي السابق كانت تركيا ترفض اعتماد منبر بديل عن جنيف لعدة اعتبارات من بينها أملها في حصول تغير في السياسة الأميركية تجاه الأزمة السورية وخاصة حيال الأكراد. بيد أن هذا لم يحدث، الأمر الذي يدفعها إلى مسايرة وجهة النظر الروسية.
وترى أنقرة أن التسويق لخيار أستانة الذي تعد هي أحد أضلاعه، قد يحقق لها طموحاتها لجهة أنها ستكون أحد المشاركين الرئيسيين في رسم مستقبل سوريا.
ويقول مراقبون إن تغير المواقف من جنيف بدا ملموسا أيضا لدى جزء من المعارضة السورية كانت أوضحها تصريحات لأحمد طعمه الذي تولى رئاسة الوفد العسكري للمعارضة في الاجتماع الأخير بالعاصمة الكازاخستانية.
وقال طعمه في حوار مع قناة “روسيا اليوم” إن المعارضة أخطأت بحمل السلاح وأنها لم تعد تطمح لأن تكون بديلا عن النظام الحالي، في ما بدا انقلابا على مبادئ جنيف التي تنص على إقامة سلطة انتقالية بصلاحيات كاملة بديلة عن النظام القائم.
واعتبر طعمه أن الجميع وصلوا إلى قناعة بأن روسيا تبحث عن حل سياسي لـ”الأزمة”، وتأتي هذه القناعة بعد لقاء المعارضة مع الجانب الروسي. وسبق أن صرح الرئيس السابق للحكومة المؤقتة بأنه “لا يمكن للدول الفاعلة في الأمم المتحدة الاستمرار في تجاهل مسار أستانة. واعتبر أن المسار الأخير هو النهج الأكثر وضوحا لحل الأزمة، وأن مسار ‘جنيف’ يمكن أن يخرج بنتائج إيجابية مكملة لما ينتج عن مباحثات أستانة”.
ويقول مراقبون إن تصريحات طعمه على الارجح تعكس وجهة النظر التركية، والتي يتوقع أن تتكرس في حال ظل الموقف الدولي على حاله لجهة عدم إنعاش مسار جنيف.
المصدر : العرب