دخان وراءه نار القصة الكاملة لوثائق التعاون بين حملة ترامب والمسؤولين الروس

قدَّم السيناتور الجمهوري جون ماكين وثائق لرئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (FBI)، جيمس كومي، شهر ديسمبر/ كانون الأول 2016، تزعم إقامة اتصالات سرية بين حملة ترامب وموسكو، وأن المخابرات الروسية لديها مواد تمسّ شخص الرئيس المُنتَخَب نفسه.
وتتألَّف هذه المواد، التي اطلعت عليها صحيفة الغارديان من سلسلةٍ من التقاريرِ حول علاقة ترامب بموسكو. وقد أُعِدت هذه التقارير من قِبَل مسؤولٍ سابق في مكافحة التجسُّس الغربي، يعمل الآن مستشاراً خاصاً.
لم تتمكن الغارديان من تأكيد صحة محتوى الوثائق، بينما استمر فريق ترامب في نفي أية اتصالاتٍ سرية مع الحكومة الروسية.
لم يستجب فريق ترامب الانتقالي لطلب التعليق على هذا الأمر على الفور، بل في وقتٍ متأخرٍ من يومِ أمسِ الثلاثاء 10 يناير/ كانون الثاني، إذ كتب ترامب على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: “أخبارٌ زائفة. تصيُّد واستهدافٌ سياسيٌّ واضح”، فيما لم يشر بشكلٍ مباشرٍ إلى هذه المزاعم.
ووصَفَ مسؤولٌ في الإدارة الأميركية، متحدثاً إلى الغارديان، المصدر الذي كتب التقرير الاستخباراتي بأنه موثوقٌ، دقيقٌ، ومُطلِع، ومعروفٌ باتصالاته الممتدة والواسعة مع روسيا.
وتثبت بعض هذه التقارير، التي ترجع تواريخها إلى الفترة من 20 يونيو/ حزيران إلى 20 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، صحة توقعها للأحداث التي وقعت بعد إرسالها.
 

كفيلة بابتزازه

 
ويدعي أحد هذه التقارير، الذي يرجع تاريخه إلى يونيو/ حزيران 2016، أن الكرملين قد رعى، ودَعَمَ، وساعَدَ ترامب طوال السنوات الخمس الماضية على الأقل، بهدف زرع “انشقاقاتٍ وانقساماتٍ في التحالف الغربي”.
ويزعم التقرير أيضاً أن ترامب قد رَفَضَ “العديد من الصفقات العقارية التي عُرِضَت عليه في روسيا”، خاصةً في التطويرات المتعلقة بنهائيات كأس العالم 2018، لكنه “والحلقة الداخلية القريبة منه قد قبلوا تدفقاً منتظماً للمعلومات الاستخباراتية من الكرملين، بما في ذلك معلومات عن منافسيه السياسيين من الديمقراطيين وغيرهم”.
الأكثر إدهاشاً، كما جاء في التقرير، هو أن “المخابرات الروسية قد ساوَمَت ترامب، من خلال أنشطته في موسكو، تلك الأنشطة التي تُعد كفيلة بابتزازه”، فيما لم يرد الرئيس المُنتَخَب على هذه المزاعم.
وذكرت شبكة سي إن إن الإخبارية، أمس الثلاثاء، أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي كان لا يزال يُحقِّق في مصداقية الوثائق، لكنها أضافت أن مسؤولي المخابرات قد قدَّموا مُلخصاً لهذه المواد في مؤتمرٍ سري حول التدخل الروسي في الانتخابات، عُقِدَ الأسبوع الماضي، إلى باراك أوباما ودونالد ترامب.
ومن المُحتَمَل أن يُفجِّر ظهور هذه الوثائق الوضع، قبل 10 أيام فقط من تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وعشية أول مؤتمرٍ صحفي منذ يوليو/ تموز من العام الماضي.
ورغم المراجع البارزة التي أشار إليها مسؤولون من الولايات المتحدة وخارجها، مِمن عملوا مع مصدر الوثائق، إلا أن هناك بعض الأخطاء الواردة في التقارير المُقدَّمة. يصف أحد هذه الأخطاء ضاحية بارفيخا بموسكو بأنها “مُخصَّصَةً لسكنِ كبار القادة ومعاونيهم المُقرَّبين”، صحيحٌ أن السكن في هذا الحي يُعتبر مُكلِّفاً للغاية، إلا أنه ما مِن قيودٍ على امتلاكِ عقارٍ فيه. هذا بالإضافة إلى أن الوثيقة تخطئ تهجئة اسم شركةٍ مصرفيةٍ روسية مذكورة فيه.
 

سبب الإعلان عن الوثائق

 
لا يدلي مكتب التحقيقات الفيدرالي عادةً بأي تعليقات تتعلَّق بتحقيقات مكافحة التجسُّس، لكنه هذه المرة وقع تحت ضغط الديمقراطيين وبعض الجمهوريين للتعليق على الأمر قبل تنصيب ترامب رئيساً، لا سيما بسبب إعلان كومي استمرار التحقيقات في خدمة البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون، قبل 11 يوماً من الانتخابات، ما يعتقد الكثيرون من أنصارها أنه كلَّفها خسارة الرئاسة.
كانت هذه التقارير في البداية بمثابةِ تكليفٍ بإعدادِ تحقيقٍ خاص يشمل المُرَشَّحين في الانتخابات الرئاسية، لكن القلق دفع من قام بالتحقيق لإرسال نسخة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي. وليس من الواضح بعد مَن وصلوا إليه تحديداً في المنظمة، وأي إجراء اتخذه المكتب.
وكان زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ سابقاً، السيناتور هاري ريد، قد انتَقَدَ كومي على نشره التحقيقات في خدمة البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون، بينما يخفي مواد “خطيرة” تخص علاقة ترامب بروسيا.
أما السيناتور الديمقراطي رون وايدن، فقد استجوب كومي بإصرارٍ، في جلسةِ استماعِ لجنةِ الاستخبارات في مجلسِ الشيوخ، أمس الثلاثاء، عما إذا كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يبحث في الأدلة على اتصالات حملة ترامب بروسيا.
سأل وايدن: “هل حقَّقَ مكتب التحقيقات الفيدرالي في العلاقات المذكورة في التقرير؟”.
فأجاب كومي: “لن أعلِّق أبداً على التحقيقات… في محفلٍ علني”.
لكن، بإمكان الغارديان أن تؤكد على أن الوثائق قد وصلت بالفعل إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي في ديسمبر/ كانون الأول. وكان السيناتور جون ماكين، الذي كان على درايةٍ بوجود الوثائق بشكلٍ منفصلٍ من خلال وسيطٍ من دولةٍ غربيةٍ حليفة، قد أرسل مبعوثاً إلى الخارج لمقابلة كومي، ثم قرَّرَ تقديم المواد إلى كومي في اجتماعٍ ثنائي بينهما، في 9 ديسمبر/ كانون الأول، وفقاً لمصدرٍ مُطلعٍ على هذا الاجتماع. وصلت هذه الوثائق، التي نشرت عنها لأولِ مرةٍ مجلة Mother Jones الأميركية العام الماضي، إلى أيدي المسؤولين في البيت الأبيض.
ولا يُعتَقَد أن لماكين رأياً خاصاً في مصداقية الوثائق، لكنه كان متأثراً بمصداقية المصدر إلى حد جعله يشعر بأنه لزاماً عليه تمريرها إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي.

 

لجنة خاصة للتحقيق

 
وكانت لجنة الخدمات العسكرية بمجلس الشيوخ، التي يرأسها ماكين، قد بدأت، الأسبوع الماضي، استجواباً حول الهجمات الإلكترونية الروسية خلال الانتخابات.
تردَّدَ ماكين في الانخراط في ذلك الأمر، وفقاً لزميلٍ له، خوفاً من رفض القضية باعتبارها ضغينةً شخصيةً تجاه ترامب. في المقابل، دَفَعَ من أجلِ إنشاءِ لجنةٍ خاصة بمجلس الشيوخ للنظر في العلاقات بين فريق حملة ترامب وموسكو، لكن قيادة الحزب الجمهوري عرقلت هذا الاقتراح.
وقال السيناتور ماكين في برنامج Meet the Press على قناة إن بي سي، الأحد الماضي 8 يناير/ كانون الأول: “أود أن أرى لجنةً مُختارةً، لكن من الواضح أن قيادة حزبنا لا توافق على ذلك. لذا، سنمضي في ذلك قُدماً مع لجنة الخدمات العسكرية، وأنا واثقٌ بأن لجنة الشؤون الخارجية ستفعل ذلك أيضاً”.
لكنه أضاف: “إذا توافرت معلوماتٌ كافية، من الممكن ألا يوقف هذا القرار. ما زلت أعتقد أن هذه هي الطريقة الأفضل لضرب هذه القضية”.
وحين سُئِلَت السيناتور ليندسي غراهام، وهي واحدةٌ من الجمهوريين المحافظين، في نفسِ البرنامج، عما إذا كان تحقيقٌ يجري في علاقات الحملة بموسكو، أجابَت: “أعتقد أنه يجري بالفعل”.
 

مواد للمساومة

 
ووفقاً للتقرير الذي وصل إلى كومي، فقد جمعت المخابرات الروسية مواد للمساومة أثناء زيارة ترامب لموسكو في نوفمبر/تشرين الأول 2013، حين كان في المدينة لاستضافة مسابقة ملكة جمال الكون.
ويفيد تقريرٌ آخر، يرجع تاريخه إلى 19 يوليو/ تموز الماضي، أن رجل الأعمال كارتر بادج، الذي اختاره ترامب واحداً من مستشاريه للسياسة الخارجية، قد عَقَدَ اجتماعاً سرياً هذا الشهر مع رئيس شركة النفط التابعة للدولة Rosneft، إيجور سيتشين، وهو ضابطٌ خَدَمَ لفترةٍ طويلة أثناء حكم فلاديمير بوتين. ويُزعَم أيضاً أن باج قد التقى المسؤول بالشؤون الداخلية ذا الخلفية المخابراتية، إيجور ديفيكين، الذي حذَّرَ بادج من أن موسكو لديها “مواد للمساومة” تتعلَّق بترامب.
وبعد شهرين، بدأت مزاعمُ اجتماعاتِ بادج تظهر في وسائل الإعلام الأميركية، فيما نُسِبَت هذه المزاعم إلى مصادر استخباراتية، بالإضافة إلى تقارير كانت قيد الفحص في مكتب التحقيقات الفيدرالي.
كان بادج، وهو الذي يدعم الخط السياسي للكرملين علناً، في موسكو في يوليو/ تموز الماضي لإلقاء كلمةٍ يشجب فيها السياسات الغربية تجاه روسيا. وفي ذلك الوقتِ، امتَنَعَ بادج عن التعليق على علاقته بمسؤولين روس، لكنه في سبتمبر/ أيلول الماضي أعرب عن رفضه لهذه التقارير واصفاً إياها بـ”الهراء”.
علمت الغارديان أن مكتب التحقيقات الفيدرالي قد طلب الحصول على إذنٍ من محكمة مراقبة المخابرات الخارجية، الصيف الماضي، من أجل رصد 4 أعضاء من فريق حملة ترامب الذين يُشتبه في اتصالهم بشكلٍ غير شرعي بمسؤولين روس. رفضت المحكمة الطلب، وفي المقابل طلبت من محقِّقي مكافحة التجسُّس التابعين لمكتب التحقيقات الفيدرالي تقليص نطاق الرصد. ووفقاً لأحد التقارير، فقد حصل مكتب التحقيقات الفيدرالي بالفعل على تصريحٍ بذلك في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لكن هذا ليس مؤكداً بعد، وليس من الواضح ما إذا كان أي تصريح قد أدى إلى تحقيقٍ شامل.
وبعد شهرٍ من فوزِ ترامب المفاجئ في الانتخابات، عاد بادج مجدداً إلى موسكو قائلاً إنه كان في اجتماعٍ مع “رجالِ أعمالٍ وقادة رأي”، رافضاً التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي، واصفاً إياه بـ”التصيُّد”، كما اعتبر أن الاختراق الإلكتروني الروسي للحزب الديمقراطي المزعوم من قِبَل وكالات الاستخبارات الأميركية قد يكون اتهاماً كاذباً لتوريط موسكو في جريمة.
وأفاد تقريرٌ آخر، أعده مسؤولٌ سابق في مكافحة التجسُّس الغربي، في يوليو/ تموز الماضي، بأن أعضاءً من فريق حملة ترامب، بقيادة بول مانافورت (مستشارٌ سابق لسياسيين مؤيدين لروسيا في أوكرانيا)، كان على علمٍ بعمليةِ القرصنة DNC، وأنه “قد وافَقَ على تهميش موضوع التدخل الروسي في أوكرانيا كقضيةٍ تتناولها الحملة، ووافَقَ أيضاً على رفع الالتزامات الدفاعية للولايات المتحدة وحلف الناتو في البلطيق وأوروبا الشرقية لتشتيت الانتباه بعيداً عن أوكرانيا”.
وبعد بضعةِ أيامٍ، طرح ترامب احتمالية اعتراف إدارته بإلحاق روسيا لإقليم القرم، ودعا موسكو صراحةً أن تخترق رسائل هيلاري كلينتون.
وفي أغسطس/ آب الماضي، تَدَخَّل مسؤولون في حملةِ ترامب في صياغة برنامج الحزب الجمهوري، بالأخص من أجلِ حذفِ الدعوة لمساندة أوكرانيا في معركتها ضد المتمردين المدعومين من موسكو.
تنحَّى مانافورت في أغسطس/ آب عن منصبه كمديرٍ للحملة، وأبعدت الحملة نفسها عن بادج. إلا أن مديح ترامب في بوتين، ودفاعه عن تحركات موسكو في أوكرانيا وسوريا ظلَّت واحداً من الثوابت القليلة في النقاط التي تتناولها الحملة.
نفى مانافورت صلاته السرية بموسكو، واصفاً هذا الادعاء بأنه “اتهامٌ شنيعٌ مدفوعٌ من قِبَل هاري ريد وحملة كلينتون”.
ومنذ ذلك الحين، يشكك ترامب باستمرار في إدانة روسيا بالاختراق الإلكتروني للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، في تحدٍّ لإجماع 17 وكالة استخباراتٍ وطنية. وبعد ترحيل أوباما لـ35 دبلوماسياً روسياً رداً على تدخُّل موسكو، امتَدَحَ ترامب بوتين لعدمِ ترحيله دبلوماسيين أميركيين في المقابل، قائلاً في تغريدةٍ له على موقعِ تويتر: “أعرف دائماً أنه ذكيٌّ للغاية”.
ورفض المتحدث باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي التعليق على تقرير سي إن إن.
المصدر:هاقينغتون بوست عربي

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist