خديعة أميركا في وضح النهار

تحاول وسائل الإعلام الآن أن تقدم موقف الولايات المتحدة من الأزمة السورية بأنه خديعة تعرّض لها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، من نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، أو بشكل أسوأ، هو مجرد خديعة تمكن بوتين من تمريرها على أوباما.
وقد وردت عباراتٌ تشي بهذه الخديعة قالها دبلوماسيون أميركيون، وفي تحليلات لوسائل إعلام أميركية ودولية، ولقيت الفكرة ترحيباً وقبولاً في أوساط كثيرة، لأنها تلقي اللوم كله على الرئيس الروسي الذي تمت شيطنته بالفعل من قبل، وتم تقديمه للعالم على أنه القاتل الذي يقصف أطفال سورية بالطائرات، وأنه الديكتاتور الذي دخل، بكامل قوة بلاده العسكرية، لينقذ ديكتاتوراً آخر، هو بشار الأسد، من المصير الحتمي الذي ينتظره، وأنه يساعده للبقاء في مكانه وقتاً إضافياً، على الرغم من أن شعبه لا يريده.
الجزء المتعلق بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين من هذه الرواية صحيح، فهو قاتل ويساند قاتلاً، وهو من يطيل عمر نظامٍ مجرمٍ انتهى سياسياً واخلاقياً، لكن الجزء المتعلق بالرئيس أوباما وبموقف الولايات المتحدة الأميركية هو الجزء غير الصحيح مطلقاً، وهو ما يستحق التوقف عنده، وتقديم الأمر بهذه الطريقة هو ذرٌّ للرماد في العيون، ومحاولةٌ يائسةٌ لتبرئة الولايات المتحدة من تقصيرها بحق السوريين، وتغاضيها عن الجرائم التي حصلت وتحصل كل يوم، وتنصلها من كل تصريحات مسؤوليها التي كانت مجرد تسويق فارغٍ للرأي العام الأميركي والعالمي، فهي، في الحقيقة، كانت تعطي التصريحات التي توحي بموقف إنساني أخلاقي، وتطالب برحيل الأسد، وتشدّد على مساعدة السوريين، والوقوف معهم، ومساعدتهم لبناء بلدهم على أسس ديمقراطية، ومحاربة النظام والإرهاب على حد سواء. وفي الوقت نفسه، كانت تمد الحبل لروسيا، لتفعل هناك ما تشاء، وتسايرها بكل كبيرة وصغيرة، وتتغاضى عمّا تفعله المليشيات الإيرانية وأتباعها في سورية.
ولم تفعل روسيا شيئاً في سورية، لم توافق عليه الولايات المتحدة الأميركية، والدليل أن ما فعلته الولايات المتحدة في سورية، طوال أربع سنوات سبقت التدخل الروسي المباشر، هو ما تفعله الآن، وحدود تدخلها، ونبرة تصريحاتها وموقفها في المحافل الدولية، لا سيما في مجلس الأمن، لم تتغيّر منذ خمس سنوات ونصف السنة هي عمر الحرب في سورية. ولم تكن الولايات المتحدة، حين أظهرت حماساً ومناصرة للثورة السورية، تقصد سوى تقديم جرعة حماس للشباب السوريين المتحمسين والصادقين، وقدمتها على شكل وعودٍ ورّطتهم ودفعتهم إلى الذهاب إلى الحد الأقصى، معتقدين أن العالم الحر يقف خلفهم، ليجدوا أنفسهم، في النهاية، وحيدين في مواجهة الموت والدمار وقسوة المنافي، قبل أن تكتمل مصيبتهم بقصف الطائرات الروسية التي يعرف كل عاقل في الدنيا أنها لم تكن لتستطيع التحليق في الأجواء السورية، لولا موافقة الولايات المتحدة.
تحاول الإدارة الأميركية اليوم تغيير وقائع السنوات الخمس المنصرمة بالتصريح بأن وزير الدفاع أشتون كارتر كان محقاً في اقتراحه عدم الثقة بنيات روسيا في سورية، وتشكيكه بالرئيس بوتين. وفي مقابل ذلك، يطلب أوباما، في الأسابيع الأخيرة من ولايته التي انتهت عملياً، من وكالات الأمن القومي، ومن وزارة الدفاع، دراسة جميع الخيارات البديلة في سورية، وعدم السماح لبوتين بالتمادي أكثر في سورية، كما في مناطق أخرى، كأوكرانيا وجورجيا. وبدأت المراكز المتخصصة دراسة سلة الخيارات التي ستشمل، ربما، وقف التعاون العسكري مع روسيا (والذي لم يبدأ أصلاً) وتعليق اتفاق الهدنة (تهاوى تلقائيا خلال يومين من توقيعه)، ووقف مجموعة العمل من أجل سورية التي ترأسها أميركا وروسيا، ونجمت عن اجتماع جنيف العام الماضي، وكانت مهمتها الوصول إلى حل سياسي في سورية، ينهي الحرب الدائرة بالطرق الدبلوماسية، ويصل إلى حكومة انتقالية مشتركة من النظام والمعارضة، وهذه المجموعة كذلك غير موجودة فعلياً، والمهمة التي أحدثت لأجلها تلاشت وضاعت مع تطور الأحداث.
إذاً فما هي الخديعة التي تعرّضت لها الولايات المتحدة؟ وما هي الإجراءات التي ستتخذها رداً عليها؟ الخديعة ليست خديعة، فكل ما جرى جرى تحت أعين الولايات المتحدة وفي وضح النهار، والإجراءات التي ستتخذها هي لا شيء كذلك، فهي مجرد حفاظ على ما هو قائم فعلياً، والخديعة الوحيدة التي يمكن الحديث عنها هي الخديعة المستمرة منذ خمس سنوات ونصف السنة، وضحيتها الوحيدة هو الشعب السوري.

العربي الجديد

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist