حسرةُ أمٍّ على فلذاتٍ تَخَطَّفَهُم الموت

سبعينيّة أنهكتها السّنون، وحفرت الأحزان في قلبها أخاديدَ عميقةً. صبرت على جفاء الحياة وقساوتها؛ لتحافظ على فلذات كبدها، وتراهم بقربها وقت هرمها، لكن الموت تخطّفهم من بين يديها واحدا تلو الآخر.

شاهد كيف يكون الأخ سبب مآسي أخوته ويسلب أملاكهم!!

“بدور” تلك الأمّ الثّكلى التي أفنت عمرها لأجل أولادها، تتنهّد تنهيدة طويلة، ثمّ تروي لنا رحلتها في هذه الحياة بحسرةٍ تحرقُ جوفَها، فتقول: “توفي زوجي بجلطة دماغية، كنت أبلغ من العمر(٢٧عاماً) وبدأت أناجي الحياة ومآسيها”.

تتابع بدورُ حديثَها قائلةً: ” مسؤوليةُ ٧ أولاد ارتمت على عاتقي وحدي، لا معيل لنا سوى الله عز وجل. ذوو أطفالي قلوبهم كالحجارة أو أشدّ قسوة، شغلهم الشّاغل أن يجعلوا منهم خدماً لأولادهم، وقاضين لحاجات بيوتهم”.
تُحدّثنا أمُّ الأولاد السّبعة عن شَظَفِ العيش، وقسوةِ الحياة التي دعتها إلى أنْ تزُجّ بنفسها وأولادها الصّغار إلى العمل فتقول: ” وضعت أحد أبنائي للعمل في ورشة خياطة، وآخر للعمل في محل سيارات، وبدأتُ العمل على مكنة خياطة في المنزل لتأمين لقمة العيش”.

فقدت بدور طفلين من أطفالها وهم صغار لم يتجاوزا ال 6 سنوات، أصابهما مرضٌ فجأة، ففارقا الحياة، وأكملت هي مسيرة الحياة بمرارها فتقول: “تذوقت علقم الحياة مراراً، وليس بوسعي إلا أن أكمل مع أولادي الخمسة المتبقين مسير السنون”.

شابَ قلبُ بدور قبل رأسها لِما رأتْ من مصاعبَ. راحت تستذكر أحداث حياتها وتقول: “زوجتهم لأراهم حولي مع أولادهم، إلا أن الموت سرقهم، واستفقت يوماً على موت ابني ولم يتجاوز الثلاثين من العمر، تاركاً ثلاثة أولاد، وفي حرب بلادي المشتعلة فقدت آخر على الجبهات، وأولاده الثلاثة كبيرهم لم يتجاوز الرابعة من العمر”.

نظرت إلى بدور، رأسها مائل على يمينها، وقطرات من عينيها تسللت على وجنتيها، وقالت “لم ينته الأمر بعد، فقدت آخرهم أثناء ذهابه وزوجته (عراقية الأصل) إلى زيارة أهلها في العراق، واختفوا بصحرائها منذ سنتين، وإلى الآن لم يصلني خبر عنه، ولم يتبقّ لي غير ابنتين من أصل سبعة أمضي أواخر أيامِي متنقلة بينهما”.

“هرمت وأنا أربيهم لأراهم حولي هم وعائلاتهم، أطيح بحزني جانباً لأجلهم، لكن المنية وافتهم وهم في عمر الشباب، لُفُّوا بالأبيض، وفُرِش التراب فوقَهم أمام عيني، ولو أن القلب ظاهرٌ للعوام لرأفوا بجراحه التي تنزف ولا تنطقُ”.

عانت الحاجّة بدور الأمرين في عراكها مع الحياة وفقدها الأحبّة، وكأنّ لسان حالها يقول “صامت لو تكلّما، لفظ النّار والدّما”

بقلم : فاطمة براء

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist