لقد قيل إن لمصطفى بدر الدين الكثير من الهفوات والأعداء، إلا أن مشكلة حزب الله لا تكمن في فقد قائد رفيع المستوى، وإنما في ملء صفوف مقاتلي الحزب في سورية.
لدى قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، وهذا الفيلق هو أحد أفرع الحرس الثوري الإيراني العاملة في خارج إيران، قاعدة تقول: لا تجند أكثر من شخص واحد من عائلة واحدة، هذا هو الدرس القاسي الذي تعلمه من الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، عندما تم القضاء على مستقبل أسر بأكملها.
والآن في كل من سورية والعراق، حيث يعمل المستشارون والضباط والجنود الإيرانيون، تحاول القيادة الإيرانية كبت أصوات احتجاج المدنيون الإيرانيون، إلا أن هذا الأمر لا ينجح دائماً.
ولكي يتم الالتفاف على هذا الأمر، فإن العديد من المتطوعين الإيرانيين، في قوات الباسيج، وهي ميليشيا تطوعية ضخمة، يبلغ عديدها أكثر من مليون فرد، يحاولون الحصول على وثائق هوية أفغانية أو باكستانية، ومن ثم يلتحقون بالألوية، مثل لواء الفاطميون الأفغاني أو الزينبيون الباكستاني، تلك الألوية التي تقاتل جنباً إلى جنب مع النظام السوري.
وعندما يعود أولئك الأفراد جثثاً هامدة إلى إيران، وقتها فقط يُعلن عن موتهم. فمنذ أيلول المنصرم، هناك نحو من 280 مقاتل إيراني قُتل في سورية، بما فيهم ضباط كبار، وهذا ما يحدث مشادات داخل البرلماني الإيراني حول مشاركة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سورية.
إن قاسم سليماني، والذي يدعم بقوة، التدخل الإيراني في سورية، يجد نفسه في مواجهة مع وزير الخارجية جواد ظريف، الذي لم يكن متحمساً لهذا التدخل، أما الرئيس روحاني فيتجنب التصريحات العلنية حيال هذه القضية.
ووفقاً للمعلقين الإيرانيين، فإن سبب هذه الحدة الأخيرة هو أرقام الضحايا الذين سقطوا في معركة فاشلة في خان طومان جنوبي حلب المحاصرة، حيث قُتل أكثر من 50 مقاتلاً إيرانياً منهم عقيد.
ويثير الإفصاح عن هذه الأرقام سؤالاً آخر. ففي فبراير الماضي أفاد مسؤولون أمريكيون ووسائل إعلام إسرائيلية أن جميع القوات الإيرانية قد انسحبت من سورية، ويبدو أن تلك المعلومات غير صحيحة، أو على الأقل غير دقيقة.
نشرت إيران نحو من 2500 مقاتل في سورية، عاد بعضهم إلى إيران، وهذا ما أسمته إيران “تبديل قوات”، ونفت أن هذا هو نوع من الانسحاب.
وتشير آخر الإحصائيات إلى أنه ما يزال هناك المئات من المقاتلين الإيرانيين في سورية. وسوف يتم تدعيمهم بمقاتلين إضافيين بعد تأهيل أساليبهم للحد من الخسائر.
كما أن إعلان روسيا سحب قواتها يتطلب إعادة النظر فيه، فلا يقتصر الأمر على طائرة روسية تشارك في المعارك ضد الثوار (وليس فقط ضد الدولة الإسلامية كما ادعت روسيا)؛ فالمدربون الروس هم من المقاتلين الذين يشاركون في جميع الجبهات. ويقول أعضاء من المعارضة السورية أن إيران وروسيا ينسقان عن كثب ترتيبات أمنية تم وضعها عندما زار سليماني موسكو في 14 نيسان الماضي.
ووفقاً للسياسي محسن رضائي، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، والقائد السابق للحرس الثوري، فإن خان طومان أصبحت همزة الوصل بين قوى متصارعة على السلطة، أي بين الجيش السوري وحلفائه، وبين الثوار الذين سيطروا على المدينة، التي تقع على طريق جوهري للسيطرة على حلب.
فهل أدت معركة خان طومان إلى مقتل مصطفى بدر الدين، قائد الجناح العسكري لحزب الله؟ الذي أشارت إليه شبكات اجتماعية تابعة للمعارضة بأن بدر الدين، الذي قُتل في 6 أيار خلال معركة خان طومان، يعتبر خليفة عماد مغنية.
وتشير التقارير إلى أن رواية حزب الله، التي تفيد بأن بدر الدين قتل بقذيفة أو صاروخ أطلقته جماعات إسلامية عندما كان في قاعدة لحزب الله قرب مطار دمشق، لا اساس لها من الصحة. وما يدعم هذه التقارير هو تصريحات الثوار أنهم لم يطلقوا قذائف أو صواريخ على المطار في الأيام الأخيرة، يضاف إلى ذلك أن جماعة أحرار الشام، وهي إحدى الجماعات المرابطة هناك، ترابط على مقدمة الجبهة وتبعد بنحو من 15 كم، أما الدولة الإسلامية فأماكن تمركزها تبتعد بأكثر من 20 كم. وعلاوة على ذلك فإنه لا يُعرف عن هذه الجماعات أنها تمتلك صواريخاً أو أسلحة دقيقة.
وفيما لو كنا نبحث عن مشتبهين، علينا أن نشير إلى صدامات بدر الدين مع قادة حزب الله حول الاساليب المتبعة ضد إسرائيل؛ إضافة إلى انتشار قوات حزب الله في سورية. منذ سنتين خلت، أشارت صحيفة كويتية في تقرير لها أنه تم إيفاد بدر الدين في مهمة خارج لبنان في إطار إدارته لعمليات وحدات الحزب في الخارج. وقد قيل أن تلك العمليات في الخارج قد فشلت بسبب شغف بدر الدين بالنساء، ومن ضمن تلك العمليات كانت محاولة هجوم إرهابي في تايلاند.
كما أن محمد عطايا، وهو قائد الوحدة 113 في حزب الله، والمسؤول عن العمليات في الضفة الغربية، قد أصطدم مع بدر الدين. ووفقاً للصحيفة الكويتية فإن بدر الدين هو المخول بمخاطبة بيروت وليس محمد عطايا، الذي تجاوزه في ذلك.
ومن المتوقع أن يخلف طلال حمية بدر الدين، في رئاسة عمليات الحزب خارج لبنان، ما لم يتضح أن هناك شيء ما ليفعله بوفاة بدر الدين.
لا ريب أن حزب الله يعلم من المسؤول عن مقتل بدر الدين، إلا أن قلق المنظمة الرئيسي يكمن في إمكانية وجود خرق استخباراتي، خاصة أنه عُرف عن بدر الدين تمسكه بالسرية.
لن تؤثر وفاة بدر الدين على دور حزب الله في سورية، فليست مشكلة المنظمة حاليا في القيادة العليا، وإنما في ملء الشواغر والصفوف بالمقاتلين، حيث تشير التقارير إلى نفوق أكثر من 1200 رجل منهم.
وسيبقى حزب الله موالياً للرئيس السوري بشار الأسد، وطالما أنه لا وجود لحل سياسي أو دبلوماسي في سورية، فإن الحرب في سورية يمكن تعريفها على أنها ضرورة وجودية لحزب الله.
ترجمة: محمد المحمد
المركز_الصحفي_السوري
مصدر المقال الأصلي: هآرتس
لقراءة المقال الأصلي