ترقد مدينة النجف بعيدا عن قصور بغداد الفخمة وعن المعارك التي تحتدم في شمال العراق، فبيوتها المبنية بالطوب اللبن وأزقتها الترابية لا توحي بالقوة أو النفوذ.. لكن هنا في هذه المدينة حيث يعمل أكثر رجال الدين العراقيين نفوذا يتحدد مستقبل العراق.
خلال خطب الجمعة الثلاث الأخيرة أدى المرجع الأعلى الشيعي آية الله علي السيستاني (83 سنة) الذي يحتل مكانة كبيرة في قلوب ملايين الشيعة في العراق وخارجه، أنشط دور له في الحياة السياسية بالعراق منذ أكثر من عشر سنوات. ومن مكتبه الذي يقع في أحد الأزقة ويخضع لحراسة مشددة، أكد السيستاني هيمنته على الشأن العام بمطالبته الساسة بتشكيل حكومة جديدة من دون تأخير، الأمر الذي قد يعجل بإنهاء فترة حكم رئيس الوزراء نوري المالكي التي استمرت ثماني سنوات.
وعادة ما يفضل السيستاني العزلة واللعب من وراء الكواليس، لكنه اعتلى المسرح السياسي في 13 يونيو (حزيران) بدعوة العراقيين لحمل السلاح لمواجهة الهجوم الذي يشنه مسلحو تنظيم «الدولة الإسلامية » وتنظيمات أخرى. وكانت تلك الفتوى الأولى من نوعها خلال قرن. ويقول رجال دين يعرفون طريقة تفكير السيستاني إن ما دعاه لذلك هو خوفه من أن الدولة على شفا الانهيار.
وقال نائب برلماني شيعي: «اليوم خريطة الطريق واضحة، وهناك جدول زمني، وكأن السيستاني وضع الجميع في موقف صعب».
لكن الفتاوى تنطوي أيضا على مخاطر على المدى القريب والبعيد. ويقول زعماء السنة إن دعوة السيستاني لحمل السلاح أججت الصراع. وعلى نطاق أوسع، تحيي هذه الفتاوى سؤالا قديما بشأن الدور الذي يلعبه رجال الدين في النجف في شؤون الدولة وهم الذين ينأون بأنفسهم دائما عن السياسة.
وقال دبلوماسي غربي لديه معرفة قوية بالمؤسسة الدينية: «أصدر (السيستاني) فتوى لم يصدرها الشيعة منذ 90 عاما أو أكثر. لن يتراجع. يريد أن يلعب دورا. إذا تراجع بعد إصدار مثل هذه الفتوى فسيعد ذلك عدم مسؤولية من جهته». ولخص النائب الشيعي المقرب من السيستاني الوضع بقوله: «السيستاني يقود الآن».
“الشرق الأوسط”