لم يعد الشعب السوري عاجزاً أمام تلك المصاعب التي تعرقل مسيرة حياته باستمرار خلال سنوات الثورة السورية، فكانوا يتخطون كل معضلة كبيرة بإصرار أكبر، وبأساليب متنوعة تعددت بين الفائدة والضرر، لكن الصراع مع البقاء والعيش جاء موازياً لمقولة الحاجة تبرر الوسيلة.
استخراج المياه الجوفية عبر حفر الآبار، هي الطريقة المستحدثة بكثرة من جديد، للتعويض عن المياه شبه المفقودة أو القليلة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، خاصة المدن والمناطق المحررة منذ بداية الأزمة السورية أو باعتبارها مصدر رزق لبعض العائلات، بل حتى بعض المناطق الخاضعة لسيطرة النظام لجأ سكانها لحفر الآبار بحجة انقطاع المياه لفترات طويلة لديهم.
لكن يبقى وضع حفر الآبار بمناطق النظام مضبوطا أكثر من المناطق المحررة، لأنه يتم بإشراف مهندسين يحددون العمق وكمية الاستهلاك والمسافة بين كل بئر إذا كانا متقاربين، مما لا يؤثر كثيراً على استنباط المياه الأرضية، لكن كلفة حفر بئر سطحي أو جوفي الآن أقل بكثير من الكلفة المترتبة سابقاً حينما كانت تحت إشراف مؤسسات النظام.
أبو محمد مزارع من الريف الإدلبي يقول:” بعد أن حررت بلدتنا من قبل الثوار لم نعد مقيدين بشروط مديرية المياه والري الكثيرة إذا ما أردنا حفر بئر في أرضنا الزراعية، فصحيح أننا ندفع مبلغ كبير عند حفره لكنه يدفع لمرة واحدة فقط، علماً أن سعر الحفر للمتر الواحد على زمن النظام 9آلاف وما فوق بينما الآن أصبح بين 3-5 آلاف، ناهيك عن الرشاوي التي كان يتقاضاها مهندسو النظام لكي يعطونا رخصة للبئر للموافقة على حفره، لكنها أوفر من الغرامة المفروضة سابقا من النظام المتراوحة بين 50-100 ألف ل.س” بحسب المادة /35/ من العقوبات العامة في قانون التشريع المائي.
فبعض العائلات كانت غاياتها من حفر بئر سطحي مخالف مجاور لمنزلها في مناطق النظام هي الاكتفاء الذاتي من الماء، كما حصل بحي (السكنتوري) في مدينة اللاذقية وفق ما ذكرت “عبير” إحدى المستفيدات منها، أما الآبار الجوفية التي تحفر في المناطق المحررة على عمق كبير تحت الأرض والباهظة التكلفة سابقاً خلال حكم النظام البالغة نحو مليون ونصف وما فوق، جاءت لحاجات عديدة.
“علي” صاحب أحد الآبار في المناطق المحررة يقول:” لقد حفرت بئراً داخل أرضي الزراعية، بغية تلبية حاجتي من المياه ونقلها لتوزيعها على الجيران ممن حولي ايضاً، فبات البئر مصدر رزق نسبي لا يمكنني الاستغناء عنه، وسلاح لجيراني لكي يتغلبوا على أزمة المياه”.
ربما الآبار لها فائدتها الملحوظة والملبية للطلب آنياً، إلا أن خطرها كارثي مستقبلاً على الجميع، “فادي عبيد” مهندس زراعي تحدث لأخبار الآن: “إن معظم الدراسات المائية للمياه الجوفية تفيد أن 75٪ من المياه الجوفية في سوريا سينضب بحلول 2020، و أن الحفر العشوائي للآبار بشكل غير منظم له عواقب سيئة وأضرار خطيرة على مخزون المياه الجوفية حيث أن الحفر يستهدف الوصول إلى المياه على مسافات بعيدة في باطن الأرض مما يؤدي إلى انخفاض منسوب المياه بشكل سنوي يصعب تعويضه وذلك بسبب كثرة الحفر ويضاف أيضاً الحفر بالقرب من مكبات الصرف الصحي وهو أمر يضاهي سابقه بالخطر لأنه يمكن أن يتسبب بتسرب جزء من الصرف الصحي إلى الآبار وتلوث مياه الشرب وانتشار الأمراض والأوبئة، وهذا الأمر سينعكس ضرراً على الأهالي وعلى المحاصيل الزراعية، ناهيك عن حفرها بالقرب من بعضها مما يسرع وينذر بالجفاف السريع المحتم”.
إلا أنه في حين يتم تفادي الخطر من انقطاع المياه وعطش الأفراد حالياً، يتم تفاقمه بشكل كبير إذا لم يتم تنظيم الحفر العشوائي، لأنه يفيد المواطنين من جهة، ويهدد الأراضي الزراعية في الجهة المقابلة، في حال جفت المياه الجوفية، ستزيد المعاناة على الأفراد في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
محار الحسن
المركز الصحفي السوري