تمثلت السياسة الخارجية التركية تجاه سورية، بالمنظور الاستراتيجي لحزب العدالة والتنمية، الحزب الحاكم لتركيا منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا، والذي يهدف منظوره الاستراتيجي إلى تحويل تركيا من دولة ضعيفة ومغلقة سياسيًا واقتصاديًا إلى دولة قوية إقليميًا ومنفتحة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وعقب اندلاع ثورات الربيع العربي، رأت العقول المدبرة لدى حكومة حزب العدالة والتنمية من تلك الثورات فرصة ذهبية، لتحقيق أهدافها من خلال دعم الشعوب بشكل كامل، وبالتالي كسب التعاطف الشعبي السياسي والاجتماعي الذي عادة ما يكون تأثيره على منحى العلاقات الاستراتيجية بين تركيا وبين دول تلك الشعوب، أكثر استراتيجية، مقارنة بدعم أحد الأنظمة المستبدة.
ولإتمام هذه الغاية، عملت الحكومة التركية على اتباع سياسة الدعم المفتوح والمتنوع ما بين السياسي والاقتصادي والإعلامي والمادي والعسكري في بعض الأحيان، كما حدث في سماحها لحلف الشمال الأطلسي “الناتو” للتدخل عسكريًا في ليبيا.
سُطرت سياسة حزب العدالة والتنمية تجاه ثورات الربيع العربي على هذا الشكل، أما أحزاب المعارضة البرلمانية التركية الأخرى فاختلفت نظرتها عن حزب العدالة والتنمية، وتباينت رؤاها فيما بينها أيضًا.
ووفقًا للخبير الاستراتيجي “عدنان كاراكاش”، فإن حزب الشعب الجمهوري يفتقر إلى منظور استراتيجي فعال تجاه الأزمة السورية، إذ يلخص نظرته إلى القضية السورية على أنها أزمة داخلية، يتوجب على تركيا الحياد عنها وعدم دعم أي من أطرافها.
ويُشير كاراكش، في مقاله “استراتيجية الأحزاب التركية تجاه الأزمة السورية”، المنشور في صحيفة “ميلاد”، 17 شباط/ فبراير 2016، إلى أن حزب الشعب الجمهوري يبني استراتيجيته بناءً على سياسة الانغلاق القومي الذي تبانها كمبدأ لسياسته الخارجية منذ تأسيسه على يد زعيمه الأول “مصطفى كمال باشا” وما زال يتبانها إلى يومنا هذا، موضحًا أن هذه السياسة قد عفا عليها الزمن، وباتت غير ملاءمة لما يحدث في وقتنا الحالي، إذ أن انغلاق تركيا وعدم تدخلها في القضية السورية، سيجعلها عُرضة للعديد من المخاطر الاستراتيجية على رأسها خطر قيام الدولة الكردية الذي من شأنه أن يُحدث عدم استقرار داخلي مستمر، إذ أن قيام الدولة الكردية في سورية يعني قيام جبل قنديل جديد في سورية على غرار العراق، وهذا ما يعني جبهة حرب جديدة لتركيا، وكما أن قيام الدولة الكردية في سورية ستحفز حزب العمال الكردستاني للقتال بشراسة لتحقيق ما تمكن حزب الاتحاد الديمقراطي من تحقيقه في سورية.
ويستطرد كاراكش مبينًا إن استطاعت تركيا اليوم كبح قيام دولة كردية في شمال سورية، فهذا سيغني عنها جميع المخاطر المذكورة، ولا يمكن لتركيا تحقيق ذلك إلا من خلال اتباع سياسة نشطة في سورية، وإن اتبعت تركيا سياسة حزب الشعب الجمهوري، فعلى الصعيد الاستراتيجي ستواجه عواقب جد خطيرة.
وفيما يتعلق بالمنظور الاستراتيجي لحزب الحركة القومية تجاه سورية، يبين الخبير السياسي “إسماعيل كهرمان” أن سياسة حزب الحركة القومية تجاه سورية قائمة على مبدأ التحرك حسب المصالح ومبدأ القومية، أما مبدأ التحرك حسب المصالح؛ فيعني أنه في حال واجهت تركيا أي خطر استراتيجي، فإنه يدعم سياسة الحكومة للجم هذه الخطر ولكن بشكل حذر ودون التعمق في التحرك العسكري، أما مبدأ القومية؛ فيعني أنه يجب على الحكومة إبطال سياسة الباب المفتوح واستقبال اللاجئين التركمان فقط.
ويلمح كهرامان، في مقاله “لماذا حزب الحركة القومية يُعارض بعض سياسات العدالة والتنمية تجاه سورية”، نُشر على الصفحة الإلكترونية لمركز العالم للدراسات الاستراتيجية، 2012، إلى أن المبدأ الأول يشكل منظور استراتيجي جيد ومتلائم مع حاجة التحرك المطلوب، ولكن المبدأ الثاني تعتبره قيادة حزب العدالة والتنمية مخالف لمبادئ الإنسانية، ولا يتوافق مع مبادئها المائلة إلى المبادئ الإسلامية المحافظة التي لا ترى تفوق لقومية معينة على قومية أخرى، وترى كافة المواطنين السوريين سواسية وبحاجة إلى من يمد إليهم يد العون في ظل سقوطهم ضحية للعديد من الخطط المتعارضة مع مصالح دولتهم الاستراتيجية.
ويرى كهرامان أن منظور حزب الحركة القومية الاستراتيجية يتفق مع منظور حزب العدالة والتنمية في بعض النقاط ويختلف في بعضها الأخر، وهذا ما يمكن أن يشكل مرتكز لحزب العدالة والتنمية على صعيد الجبهة الداخلية، لبسط أرضية سياسية توافقية داخلية مع حزب الحركة القومية تجاه سورية.
وفيما يخص المنظور الاستراتيجي لحزب الشعوب الديمقراطي تجاه الأزمة السورية، نقلت صحيفة “راديكال”، عن نائبة ولاية “شيرناق” عن حزب الشعوب الديمقراطي وعضو المجلس السياسي للحزب “سلمى إرماق”، قولها إن حزب الشعوب الديمقراطي يعارض سياسة حزب العدالة والتنمية، ويرى أنه يجب على تركيا عدم التدخل في الأزمة السورية، ويجب عليها إيقاف الدعاية السياسية السوداء التي تستهدف حزب الاتحاد الديمقراطي “الثوري”، والتي تحاول تصوريه على أنه حزب إرهابي، مضيفة ً إلى أن لا يوجد أي دولة سوى تركيا تتهم حزب الاتحاد الديمقراطي بأنه حزب إرهابي، وهذا يعكس مدى الضعف التي تزخر به السياسة الخارجية لتركيا في الفترة الحالية.
ووفقا ً لتصريحات إرماق الصحفية، فإن المنظور الاستراتيجي لحزب الشعوب الديمقراطي تجاه سورية، يتلخص في اتباع سياسة الانغلاق المُتبعة من قبل حزب الشعب الجمهوري، وعدم اعتراض تركيا على التحركات التي يقوم بها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية، ولكن يختلف عن حزب الشعب الجمهوري، في قضية دعمه الكامل والمفتوح للتحركات الكردية الانفصالية في شمال سورية.
ترك برس