الواضح أن الروس يراهنون على قلة حيلة الإدارة الأميركية، وعلى الشلل التي تصاب به عادة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وانتهاء ولاية الرئيس ومغادرته البيت الأبيض. ولا تتوقع موسكو أن يقوم أوباما في ربع الساعة الأخيرة من ولايته الرئاسية بما لم يقم به خلال السنوات الخمس الماضية. لذلك، إنها تدفع بثقلها العسكري من أجل السيطرة على مدينة حلب وتحقيق مكاسب ميدانية لنظام الأسد قبل انتخاب رئيس أميركي جديد.
وترى مصادر أميركية أن العلاقات الأميركية الروسية تسير باتجاه تصعيدي خطير لم تشهده خلال الحرب الباردة قبل سقوط الاتحاد السوفييتي. إذ تقوم سياسات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على فرض وقائع جديدة من خلال القوة العسكرية الروسية في مناطق مختلفة من أوروبا. أبرزها تجسد بضمّ شبه جزيرة القرم واجتياح الأراضي الأوكرانية، وتعزيز الوجود العسكري الروسي في منطقة الشرق الأوسط وتحوله إلى قوة احتلال في سورية. لكن الأخطر من كل ذلك بالنسبة للأميركيين يتمثل بالهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له مؤسسات حكومية وحزبية وأنظمة انتخابية أميركية من قبل قراصنة تديرهم الاستخبارات الروسية، وإعلان الإدارة الأميركية، أنها باتت متأكدة من تورط موسكو في عمليات تجسس وقرصنة معلومات بهدف التأثير على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة والعبث بنتائجها وتزويرها.
وتشير المصادر الأميركية إلى أن إدارة أوباما تقصدت في السابق عدم توجيه اتهامات علنية للروس بالوقوف وراء قرصنة البريد الإلكتروني للحزب الديمقراطي حرصاً على عدم انهيار المفاوضات بشأن سورية، والتي كان يقوم بها وزير الخارجية، جون كيري، مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف. لكن الحرب الإلكترونية الروسية على أميركا كانت حاضرة في اللقاءات الثنائية داخل القاعات المغلقة.
وقد كانت مسألة الاختراقات الإلكترونية وعمليات قرصنة المعلومات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في الأشهر القليلة الماضية، إضافة إلى المسألة السورية، في صدارة جدول أعمال القمة التي عقدها أوباما، مع بوتين، على هامش قمة العشرين التي انعقدت في الصين الشهر الماضي. وترى المصادر الأميركية في ذلك مؤشراً على مدى الخطر الذي باتت تشكله عمليات التجسس الإلكترونية على الأمن القومي الأميركي.
وفي مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد القمة، استخدم أوباما مقاربة دبلوماسية للاختراقات الإلكترونية للمؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنية في الولايات المتحدة. وقال إن العالم يعيش عصراً جديداً هو عصر تكنولوجيا المعلومات وسهولة انتقالها والحصول عليها ما يستدعي نمطاً مختلفاً من العلاقات الدولية وقوانين جديدة ترسم الحدود والخطوط الحمر. وذكّر الرئيس الأميركي روسيا وغيرها من الدول التي تملك القدرة على القيام باختراقات إلكترونية وقرصنة معلومات من دول أخرى، بأن أميركا قادرة على الرد الإلكتروني، لا بل إنها لا تزال هي الأقوى على الإطلاق في مجال تكنولوجيا المعلومات.
أي رد؟
يتوقف المراقبون عند تزامن الاتهام الأميركي العلني للروس بمحاولة تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية، والتجسس الإلكتروني على المؤسسات الأميركية، مع إعلان وقف المفاوضات مع موسكو بشأن سورية، واتهام القوات الروسية بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب السوري.
وقد حرص المسؤولون الأميركيون، خلال الأيام القليلة الماضية، على التأكيد أنهم بصدد دراسة كل الخطط العسكرية، وخيارات الرد المناسب على السياسات العدوانية الروسية في سورية وفي الفضاء الإلكتروني. وهو ما استبقه بوتين بإعلانه إلغاء اتفاقية معالجة “فائض البلوتونيوم النووي” مع الولايات المتحدة، ونشر منظومة صواريخ “أس أس 300″، في سورية للرد على التحركات العسكرية الأميركية المتوقعة.
وفيما يرى دبلوماسيون أميركيون سابقون وخبراء في الأمن والسياسة الخارجية أن رد الفعل الأميركي على مناورات الروس وسياساتهم العدائية قد تأخر كثيراً، وأن واشنطن غير قادرة على القيام بأي رد قبل انتخاب الرئيس الجديد، يرى آخرون أنه لا تزال واشنطن تملك الكثير من الأوراق وخيارات الرد.
لكن حتى الآن، لا يزال واضحاً أن الفيتو الأميركي ضد إيصال صواريخ أرض جو محمولة على الكتف، إلى الفصائل السورية، يبقى سارياً، رغم تسريب موسمي لأنباء عن وصول كميات من هذه الصواريخ بالفعل إلى السوريين، وآخر محطات هذه التسريبات حصلت في الساعات الماضية، من قبل الخبير في الشؤون التركية، تشارلز ليستر، وهو ما سارعت الفصائل السورية المعارضة إلى نفي حصوله. كما يمكن أن يتم الرد عبر فرض عقوبات اقتصادية أميركية وأوروبية على موسكو قد لا يحتملها الاقتصاد الروسي المترنح تحت انخفاض أسعار النفط بالإضافة طبعاً إلى رد إلكتروني أميركي غير تقليدي يعتقد الأميركيون أنه سيكون أكبر بكثير من أعمال القرصنة الروسية، ويلحق أضراراً بالغة بالمؤسسات الحكومية الروسية.
العربي الجديد – أحمد الأمين