أن تبحث عن الديمقراطية في أيامنا هذه كمن (يبحث عن إبرة في كومة قش)؛ فكل المجتمعات المتقدمة في العالم تدّعي تطبيق صور الديمقراطية بمختلف أشكالها، في حين تغرق بلدان العالم الثالث بليل من الدكتاتورية ومصادرة الحريات.. وفي هذا الصدد أود أن نتناقش عقلانيا هل حقا الديمقراطية موجودة وتطبق في الأرض؟!
دعونا أولا نحيط نوعا ما بمصطلح الديمقراطية:
الديمقراطية لغةً: كلمة يونانية الأصل، تعني حكومة الشعب أو سلطة الشعب، أما الديمقراطية اصطلاحا: فهي حكم الشعب نفسه بنفسه، أي أن الشعب مصدر السلطات في الدولة عليه اختيار الحكومة وشكل الحكم والنظام السائدة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية..
بالمختصر الشعب في الديمقراطية يكون هو مصدر القانون الذي تخضع له الدولة، وبالرغم من أن اليونانيين القدماء هم أول من عرف الديمقراطية ووضعوها كمصطلح ونادوا بها نظاما للحكم إلا أن المجتمع اليوناني كان ينقسم إلى طوائف لا تتمتع جميعها بالحقوق السياسية: فهناك طائفة الأرقاء المحرومين من الحقوق السياسية، وطبقة الأحرار الذين لم يبلغوا مرتبة المواطنين، وهؤلاء أيضا محرومون من الحقوق السياسية، وأخيرا طبقة المواطنين الأحرار وهم وحدهم الذين لهم إمكانية ممارسة الحقوق السياسية، أي إدارة البلاد داخليا وخارجيا.
ومع مرور الوقت وتطور المجتمعات البشرية، ومرورا بكل الدول التي نشأت وتكتلت وأبيدت وتمزقت وتوحدت.. لم يعط العالم إلى الآن دولة واحدة استطاعت تطبيق الديمقراطية بصورتها الحقيقية، صحيح هناك دول تكون أكثر حرية، وانفتاحا على شعبها وقربا من حياته، من دول أخرى، لكن هذا لا يعني أبدا أنها حققت الديمقراطية، وإذا ادعت أمريكا وكل ما يلحقها من دول غربية الديمقراطية، فباعتقادنا أن ديمقراطيتها زائفة، وكنا في مناسبة سابقة أشرنا إلى ذلك حين قلنا إن أمريكا مجرد حزبين اثنين والمواطن الأمريكي مجبر على الانضواء تحت جناحيهما، هما الحزبان الديمقراطي والجمهوري، يرشح من كل منهما مرشح واحد لخوض الانتخابات الرئاسية، ويفوز أحدهما وذلك بأن يدلي الشعب بأصواته ويختار أحدهما..
والسؤال: الآن إن ظهر في أمريكا فئة أخرى تود أن تنشئ حزبا وتدخله في السباق الرئاسي وتعطيه الزخم المعطى لذلك الحزبين ما الذي سيحدث؟
كل الأحزاب الأخرى الموجودة في أمريكا هي أحزاب مهمشة: مجرد أرقام ويدعون الديمقراطية.
الديمقراطية ليست أن يذهب المواطن إلى صناديق الاقتراع ويقول أريد واحدا من اثنين هذا ما يحدث في كل دول أوربا أيضا، فانتخاباتها تجري بالطريقة نفسها، أحزاب كبيرة لا تتعدى الحزبين تهيمن على البلاد وتبايع بعضها بعضا من تحت الطاولة، على أساس حقق أحد الحزبين أعلى نسبة أصوات، وهاهي أنجيلا ميركل زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا تترشح للمرة الرابعة على التوالي، ألا يوجد عند الشعب غير ميركل مرشحا آخر؟!
الشعب السوري عندما قام بثورته لم يقم من أجل الحصول على ديمقراطية الغرب، أي من أجل أن يصبح له حزبان ويختار في النهاية مرشحا وتكون حريته في اختيار رئيس من رئيسين غير الأسد، الشعب السوري قام لأن الدكتاتورية عنده فاقت حدود المعقول والمسموح، قام لأن البلاد بدأت ونحن فيها تقسّم وتعطى وفق تسهيلات وامتيازات وانتدابات لدول ذات مذهب معين يود شرب دمائنا..
لم نكن يوما طائفيين أو مذهبيين، فقد عشنا منذ طفولة الإسلام على التعايش والتسامح لكن تسامحنا لم يقابله من الآخرين إلا المكائد وبناء الحسينيات والتبشير بالتشيع ومحاولة التخلص من كل من هو خلاف ذلك، وعندما نريد تطبيق الديمقراطية، سنطبقها دون أن يعلمنا إياها الغرب أو يعطينا تعاليمها، ومن لا يصدق ذلك فليبحث في التاريخ ويرى من استطاع تطبيق الديمقراطية أكثر من الخلفاء الراشدين، لقد قدم الخلفاء الراشدون الأربعة صورا رائعة في الديمقراطية، لم يرشحوا ولم يضعوا الحواجز والقوانين، بمعزل عن الشعب، كان كل أمرهم شورى، والإسلام بالتالي، عندما يطبق بصورته الصحيحة السمحة، البعيدة عن كل أشكال التعصب والتشدد، لا ينافي الديمقراطية بل يرسخها بأصدق حلة.. بل يتجاوزها بكثير لأنه التشريع والاجتهاد والتوافق والاجتماع في آن واحدة.
خلاصة القول إن الديمقراطية هي مثلها مثل الرخ والعنقاء والخل الوفي.. رابع المستحيلات في مجتمع دولي يدعيها كما يدعي حقوق الإنسان وهو يرى شعبا يباد قصفا وجوعا وحصارا وتآمرا، وهو يتفرج مزهوا بتاج صدئ من ديمقراطيته الزائفة.
المركز الصحفي السوري – شاديا الراعي