المصدر: سوريا اندكتور
تحقيق: أحمد مراد/ إشراف: علي عيد
تحقيق يستقصي الابتزاز الجنسي الذي تتعرض له الطالبات في جامعة تشرين من الكوادر التدريسية ليحصلن على درجات النجاح، ويرصد الفساد الإداري عبر مقابلات مع طالبات وقعن ضحايا للابتزاز الجنسي في مكاتب المدرسين داخل الجامعة.
خرجت باكيًة دون أن تغلق باب المكتب خلفها، سرعان ما سمعت صوته من جديد، “سكري الباب وراكي وفكري بالموضوع”. لم تكن تشعر بما يحيط بها. للمرة الأولى تتعرض للابتزاز الجنسي بشكل علني، هذه المرة كانت في جامعة تشرين، و”الجاني” هو مدرس المادة.
قبل أن تقرر زيارة مكتبه، كانت روعة “اسم مستعار” رسبت في المقرر للمرة الثانية، تعلم جيدًا أنها تستحق النجاح.
كانت روعة قد تقدمت بطلب اعتراض لإعادة تصحيح المادة، يقتضي الاعتراض ضمن مدة محددة بعد صدور النتائج إعادة جمع درجات المقرر فقط.
وبحسب رئاسة جامعة تشرين، “لا يوجد نص قانوني يتيح للكلية إعادة تصحيح دفتر امتحاني، وإنما يتاح فقط التدقيق وجمع العلامة والتأكد من التزام دكتور المقرّر بسلّم التصحيح”.
لم تعد أمامها وسيلة سوى التظلم لدى الدكتور بعد أن صدرت نتائج الاعتراض دون تغير النتيجة، أو إيجاد طريقة لنجاح المادة أسوة بزملائها وزميلاتها.
في زيارتها الأولى، صعدت روعة لمكتبه أملًا في إيجاد حل لمشكلتها. وصلت إلى الغرفة التي تضم ثلاث طاولات، لم يكن يختلف عن نظام المكاتب في كل الدوائر الحكومية ذات اللون الخشبي الفاتح، لم تستطع طرح مشكلتها لانشغاله باستقبال أشخاص آخرين، لكنها حصلت على موعد يوم الخميس. أي بعد 3 أيام.
الرشوة بالجنس في جامعة تشرين
يعد الابتزاز الجنسي أحد أشكال الرشوة في الجامعات السورية، إذ رصدت وسائل إعلام حالات متكررة لطالبات وقعن ضحايا لمدرسين من أجل النجاح في المقررات الجامعية، إحداها كانت في جامعة تشرين التي يبلغ مجموع طلابها قرابة 80 ألفًا، بحسب موقع الجامعة.
طالبات فضلن الصمت وأخريات كروعة روت قصتها لسيريا انديكيتور تحت اسم مستعار “أملًا في إيصال صوت الطالبات”.
في الطريق إلى مكتبه في زيارتها الثانية وفق الموعد المحدد، كانت روعة تفكر في الرد الذي ستتلقاه، والأسئلة التي يمكن أن يطرحها، تعلم جيدًا أن مدرس المادة لن يعيد تصحيح المادة، لكنه في حال قرر مساعدتها سيضمن نجاحها في الدورة الامتحانية المقبلة.
“أعلم أيضاً أن تصحيح المواد يخضع لمزاج مدرس المادة، وأن المدرسين يسعون لحصول الطالب على علامة الرسوب من أجل ابتزازه لاحقًا بمختلف الطرق”، تقول روعة.
وصلت نسبة نجاح أحد مقررات الأدب العربي في كلية الآداب بجامعة تشرين أقل من 2 بالمئة، فيما لم ينجح أي طالب في أحد مقررات كلية العلوم.
وتكررت الحادثة في جامعة دمشق والفرات ومعهد الطب البيطري في حماه، بحسب ما نشره الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، وهو منظمة طلابية تابعة لحزب البعث.
وقاطع التحقيق بين الشهادات التي حصل عليها لطالبات من جامعة تشرين، مررن بتجارب شخصية تتعلق بفساد الكوادر الإدارية والتدريسية، وبين ما تداولته وسائل إعلام مقربة من الحكومة السورية عن حالات الرسوب الجماعي في جامعة تشرين، وتصريحات لمسؤولين في اتحاد الطلبة، وما نشر على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل إعلام معارضة .
الابتزاز داخل المكاتب الإدارية
في الموعد المحدد صعدت روعة إلى المكتب، كأن شيئًا تغير في الغرفة وألوانها، لربما طغى لون الستائر الزرقاء المغلقة على اللون الخشبي للأثاث حتى أخذ لونا آخر، حسب رواية روعة.
استقبال الدكتور اللطيف وتواضعه بالجلوس قبالتها أشعرها بالارتياح لطرح مشكلتها. السؤال الافتتاحي كان عن اسمها والسنة الدراسية، ثم عن عائلتها وأوضاعهم السياسية والمادية.
تقول روعة، “أعلم أن الدكتور سيسألني عن منطقتي، فبلدتي التي شهدت احتجاجات ضد الحكومة سيكون لها دور في تقييمي لدى الدكتور المدعوم حزبيًا، ومن أشد المؤيدين حزبياً”.
توقعت روعة كذلك السؤال حول الوضع المادي لأسرتها، فأحاديث الطلاب في الجامعة بعد فترة الامتحانات تدور حول النتائج الامتحانية وظلم الأساتذة وطرق الرشاوى، عن طريق وسطاء أو بشكل مباشر للمدرسين.
“كلية الآداب في جامعة تشرين هي النموذج المصغر لسوريا”، تقول روعة، “الفساد مستشر في كافة مفاصلها، الطلاب الشباب يبحثون عن التأجيل الدراسي ويضطرون لدفع الرشاوى مقابل الحصول على درجات النجاح، وبعض الطالبات يدفعن الرشاوى للتخرج”.
تتابع القول، “كنت حضّرت الإجابة قبل المقابلة، بقدر ادفع 100 أو 200 دولار”، لكن المسألة لم تكن كذلك، فالمطلوب هو تقديم مقابل من نوع آخر، موحية بخجل بأن أستاذ المقرر يبحث عن مقابل جنسيّ لحل المشكلة وضمان النجاح.
مدرس المادة اقترح على روعة لقاءً ثالثا في مكان آخر، لكنها رفضت. “لن أخاطر بسمعتي وأنا طالبة جامعية بالجلوس مع مدرس المادة في مكان عام، سيكون موقفي محرجاً أمام الطلبة”.
الدكتور بدوره رفض أن يكون الاجتماع في مكان عام وإنما في مكان خاص، والاتفاق على الدرجة التي تختارها مقابل وجودهما في المكان الذي سيتفقان على اختياره لاحقًا، وفي حال قبلت عرضه ستكون ذات حظوة لديه، وسيساعدها بتحصيل درجات النجاح في عدد من المواد لدى مدرسين آخرين.
تجاهلت العرض، لكنها ما تزال حتى اليوم تعيش حالة الصدمة جراء الابتزاز الجنسي، وتخشى من إعادة الامتحان في ذات المقرر خوفاً من تكرار الموقف الذي تعرضت له أو إعادة تذكيرها بما حصل معها.
الطالبات الفقيرات فرائس سهلة
تقول لينا طالبة كلية الآداب في جامعة تشرين لسيريا انديكيتور، يستغل بعض الأساتذة حاجة الطالبات وأوضاعهن المادية، ويتصيدوهن كالفرائس، مستغلين ذكورية المجتمع والخوف من قضايا الشرف، فمعظم من تتعرضن للتحرش أو الابتزاز من الطالبات، هن من الطبقات الفقيرة، يخشين من الحديث عن التحرش والابتزاز الجنسي خوفًا من نظرة المجتمع وحفاظًا على مستقبلهن التعليمي، بالمقابل يتجنب المدرسون التعرض للطالبات من بنات المسؤولين أو من تصلهن قرابة بالمسؤولين الحكوميين أو الأمنيين، بل يتقربون منهن لبناء علاقات مع مسؤولين في الدولة.
قصص التحرش والابتزاز الجنسي وشراء النجاح من أساتذة الجامعة بالمال دفعت الاتحاد الوطني لطلبة سوريا عام 2013 لمخاطبة رئيس الجامعة عبر موقع الاتحاد الرسمي، إذ وجه رسالة حملت عنوان “باهتمام السيد رئيس جامعة تشرين”، يطلب فيها وضع حد لظواهر الفساد و”التعرض لكرامة الطالبات”.وفي آب من عام 2021، انتشرت فضيحة مصوّرة لدكتور في جامعة تشرين، ظهر فيها عاريًا وهو يتلفظ بألفاظ خادشة للحياء مع طالبة، مقابل مساعدتها في النجاح بالمقرر الذي يدرّسه في الجامعة.
الابتزاز الجنسي جريمة ضد الضعفاء
حددت الرابطة الدولية للقضاة (IAWJ) الابتزاز الجنسي، بأنه إساءة استخدام السلطة للحصول على منفعة أو ميزة جنسية. وعلى هذا النحو، فهو شكل من أشكال الفساد يكون فيه الجنس هو الرشوة، وليس المال. ولا يقتصر الأمر على بلدان أو قطاعات معينة، بل يمكن العثور عليه في أي مكان يفتقر فيه المخولون للسلطة إلى النزاهة ويحاولون الاستغلال الجنسي للضعفاء والمعتمدين على سلطتهم.
قضاء يوم في “الشاليه” يحلّ المشكلة
تعرفت بسمة “اسم مستعار” منذ دخولها لدراسة قسم التاريخ في جامعة تشرين عام 2016 على زميلة في الجامعة “رؤى” اسم مستعار، وهي ابنة أحد الضباط الأمنيين المعروفين في مدينة اللاذقية السورية ساهمت معرفتها برؤى في تسهيل معاملاتها الإدارية خلال فترة دراستها، تلك المعرفة كانت “سلاحاً ذا حدين لطالبة والداها من الطبقة العاملة في الدولة”، بحسب بسمة.
تقول بسمة لسيريا انديكيتور، “تعرفت على رئيس القسم بشكل شخصي في إحدى محاضرات التثقيف الحزبي في الجامعة مع زميلتي التي يتولى والدها منصباً أمنيًا رفيعًا”، تبادلت بسمة وصديقتها مع الدكتور أرقام التواصل الشخصية، وختم حديثه، “إذا بتحتاجوا شي مكتبي دائما مفتوح”.
خلال امتحانات السنة الثانية، ضبطت مراقبة الامتحان مصغراً مع بسمة، ونظمت ضبط غش بحقها، وقد يكلفها هذا الضبط عقوبة حرمان إجراء الامتحان لدورتين.
وفق قرار مديرية شؤون الطلاب في وزارة التعليم العالي، تتراوح عقوبة الغش بين علامة الصفر والفصل النهائي من الجامعة.
في اليوم التالي للامتحان، توجهت بسمة إلى مكتب رئيس القسم الذي وعدها سابقاً بتقديم المساعدة، أملا بتخفيف العقوبة إلى درجة الصفر فقط.
في المكتب بدأت بسمة حديثها، وقابلها استقبال مميز من الدكتور “ب.ع”، هذا الاستقبال تحول إلى “محاضرة حزبية”، كما تقول بسمة، بعد أن عرف سبب زيارتها وطلبها للمساعدة. “خرجت من مكتبه وأنا في حالة يأس”.
بعد عدة أيام، تلقت بسمة اتصالًا من الدكتور يطلب فيه رؤيتها في مكتبه، يصادف هذا اليوم موعد إجراء امتحان مقرر “تاريخ الجزيرة العربية”، لتتوجه بعدها إلى المكتب بناء على الموعد المحدد.
وجدت كيلا من الاتهامات حول عملية الغش التي ارتكبتها، وقد تصل العقوبة لإلغاء امتحان كافة المقررات لهذا الفصل مع الحرمان من تقديم الامتحان للدورة القادمة.
“دخلت في حالة صدمة، وكأن حياتي الجامعية انتهت تمامًا”، تقول بسمة، لكن الصدمة الأكبر عندما سمعت حل رئيس القسم لـ “قضاء يوم سوياً في أحد الشاليهات المطلة على البحر”. “سيكون هذا حلًا لكافة مشاكلك”. قال الدكتور.
دخلت بسمة في حالة من اليأس بين إنهاء حياتها الجامعية وإخبار أهلها بما سيجري، وبين استغلال الدكتور لحالتها، قررت سؤال زميلتها رؤى عن الدكتور أملًا في أن تخبرها بعرض الابتزاز الجنسي. ” أثنت رؤى على أخلاقه، فهو يستقبلها في المكتب ويعرف والدها بشكل مباشر”.
قررت بسمة إخبار عائلتها بما حصل ومتابعة دراستها في جامعة حلب، وساعدتها زميلتها رؤى في معاملة الانتقال.
الابتزاز الجنسي والموروث الاجتماعي
تواصل ظاهرة العنف القائم على الجنس التفشي في سوريا في مسارين متوازيين، وفق دراسة لتجمع الحماية العالمية. المسار الأول عنف ممنهج، وتلجأ قبل أطراف النزاع وسلطات الأمر الواقع كل في منطقة سيطرته بهدف الترويع والإذلال ومعاقبة معارضيه. أما المسار الثاني، فهو تلقائي متراكم نتيجة طول الأزمة والعادات والهياكل والموروثات عميقة الجذور التي يقوم عليها المجتمع السوري والتي تعمل على تطبيع هذا العنف. وهذا بدوره يفسر تدني مستوى الإبلاغ عن حالات العنف أو التحرش الجنسي بسبب طبيعة المجتمعات المحلية، والتقاليد التي تمنع الإبلاغ عن مثل هذه الانتهاكات والتكتم عليها لأنها تخدش الوجدان العام للجماعة.
الانتقال إلى جامعات أخرى هو الحل
يضيف الانتقال إلى محافظة أخرى أعباءً إضافيًة في التنقل والسكن والمعيشة، لكن طالبات أجبرن على هذا الخيار هروبًا من الابتزاز الجنسي الذي عايشنه في المؤسسات التعليمية. سواء من المدرسين أو أعضاء الهيئات الإدارية، وحتى من عناصر أمن، في حين لم تستطع طالبات ممن تحدثن لموقع سيريا انديكيتور وعانين من التحرش الجنسي المتكرر في الجامعة من تغيير الواقع والتعايش معه لحين انقضاء مدة الدراسة والتخرج. وهذا ما دفعهن لعدم تقديم شكوى رسمية لدى السلطات بسبب الخوف من انتقام المدرسين، والوصمة الاجتماعية التي ستصاحبهن خلال متابعة تعليمهن الجامعي من زملائهن وزميلاتهن.
ظاهرة مستشرية
ورغم أن الانتقال إلى جامعة أخرى يعتبر حلًا للطالبات، إلا أنه لا يحميهن من الابتزاز الجنسي، خاصة مع انتشار فضائح جنسية مسربة عبر وسائل التواصل لأساتذة جامعيين، تعطي تلك التسريبات صورة عن واقع الفساد في عموم الجامعات السورية.
وذكرت مواقع إعلامية معارضة نماذج من ممارسات الفساد داخل أروقة الجامعات السورية، كأخطاء ترتكبها الكوادر الإدارية ويقع ضحيتها الطلبة، وحالات الفساد والرشى، والابتزاز الجنسي مقابل النجاح أو الرسوب.
وبحسب موقع scientific Index 2024، حلت جامعة تشرين في التصنيف رقم 7596 على مستوى جامعات العالم، وفي المرتبة الثانية على مستوى الجامعات السورية بعد جامعة دمشق التي حلت بالمرتبة 7454 عالميًا.
عام 2023، تراجع ترتيب الجامعة 51 درجة عن العام الذي سبقه، إذ احتلت الترتيب 7645 عالميًا، بحسب “scientific Index”.
وحاول سيريا انديكيتور التواصل مع رئاسة جامعة تشرين عبر الإيميل الرسمي الظاهر في موقع الجامعة، عن وجود شكاوى بحق المدرسين ونسبتها والإجراءات التي اتخذتها الجامعة، دون تلقي أي رد منهم حتى ساعة نشر التحقيق.
لم يسلم أحد
خلال سنوات الحرب في سوريا منذ 2011، ارتفع معدل العنف والاستغلال والتحرش الجنسي، وخصوصًا ضد النساء والفتيات.
وكشف تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، حمل عنوان “فقدت كرامتي“، أن تأثير النزاع على السوريين داخل البلاد، لم يقتصر على القصف وتدمير المدن، والعيش في شروط لاإنسانيّة.
ويشير التقرير الصادر في 28 من آذار 2018، إلى أن آثار الصراع امتدت إلى “عنف جنسيّ بما في ذلك الإساءة، والتعذيب في الأعضاء التناسليّة والاغتصاب”.
وأشار تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى ارتكاب أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا ما لا يقل عن 11526 حادثة عنف جنسي استهدفت الإناث بمن فيهن فتيات دون سن الـ18عامًا، منذ آذار 2011 وحتى 25 من تشرين الثاني 2022.
وتقصى سيريا انديكيتور عن عقوبات بحق المدرسين لتحرشهم بالطالبات، ونشر موقع صاحبة الجلالة عن عقوبة إيقاف عضو هيئة تدريسية بجامعة دمشق عن العمل لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد بسبب تحرشه بإحدى الطالبات.
فضيحة جنسية أخرى كانت حاضرة في كلية الآداب بجامعة دمشق ، وأطاحت بمدرس مادة “الثقافة القومية” الدكتور “علي بركات”، ليعود بعد عدة أشهر للتدريس في جامعة دمشق بقرار وزاري، بحسب وسائل إعلام، الأمر ذاته تكرر مع رئيس قسم التاريخ في جامعة تشرين، موضوع التحقيق، الذي ترقى ليشغل منصب نائب عميد كلية الآداب عام 2021.
Hebat blog ini! 🌟 Saya suka banget bagaimana penulisannya memberikan pemahaman yang baik dalam topik yang dibahas. 👌 Artikelnya menghibur dan mendidik sekaligus. 📖 Tiap artikel membuat saya lebih penasaran untuk menjelajahi konten lainnya. Teruskan kerja yang bagus
coannex xyandanxvurulmus.Ic9YODhnRNh0
xbunedirloooo.NlQgwyYRdRv0
xyandanxvurulmus.zz2XSvVbIym8
yandanxvurulmus.zwwxfjcywt8L