الثورة فكرة.. والفكرة قد تخبو لكن لن تموت لا زمن الأسد الأب ولا الابن

انطلقت الثورة فانطلقت معها روح ثائرة لشباب كبتَ الكثير من الهموم والآلام، ولم يتنفس سوى مواجع الذل والظلم، بل ورضع مع حليب أمه عبارة (ﻻ تحكي.. الحيطان الها دانات)، هذه العبارة التي كانت تتناهى إلى أسماعنا وحياتنا اليومية عندما نأكل وعندما نشرب، حتى في أحلامنا، فإياك أن تعارض النظام والعائلة الحاكمة.
بالنسبة لفئة أخرى من المجتمع لم تكن هذه الأحداث التي تمر بها سوريا إلا مؤامرة ستنتهي على أيدي الجيش السوري الباسل، وبدعم من الشعب للقائد، ويا لها من مؤامرة!!
كنت أفهم رأي كل شخص من مجرد الخوض في نقاش بسيط معهم، لكن ماذا عن الفئة الصامتة التي لم تبد أي رأي وﻻ حتى حياديا؟
لفت انتباهي إلى هذا التساؤل شخص تبادر لي أنه ربما يجب أن يكون أول من يخطو في هذه الثورة، إلا أنني لم ألحظ له أية تعليق على الوضع الراهن.
كانت تضرب في أذني صيحات تقول (يلي واقف ع الرصيف ضاعت النخوة يا حيف)، بسرعة شد انتباهي اليه، يقف على الرصيف بعيدا حتى عن زاوية الشارع، أراه ماشيا مسرعا بقدمين متتاليتين تسبق إحداهما الأخرى بخطوة صغيرة تكاد تكون خفية.. وكأن واحدة يقودها قلبه الذي تعب من عفن السجون، أما الأخرى فيدفعها دفعا ذلك الرعب الذي تعشش في ذاك القلب الهزيل.
ذاك الشرار الذي كان يقدح من خلف نظارته كان انعكاسا لنار ملتهبة متأججة بروح الشباب تحترق داخله، وتحكي بنظراته لهفته إطلاق صرخة نختنق في أعماقه، إنما يحول بينها وبين صرخات الشباب الثائر معاناة طويلة دامت لأربع سنوات في حجرات المنفردة أو المهاجع المكتظة خلف كل ذاك الحديد.
بدا وكأنه كان ينادي من أعماق قلبه (عيشو حريتكن وصلتوا للي ما وصلنالو) ولكنه كان يناديهم بنظراته أيضا (عودوا ما بدنا نخسركن).. ما كان جبانا من قاسى كل هذا الظلم، وما كان جبانا من جرب كل وسائل التعذيب والقمع والاضطهاد.
(القتل والدمار التهجير ولحظات انتظار الموت وكل المعاناة خلتني ايأس خلتني حس بكل المؤامرة على هالشعب يلي فرحتنا بصرخة الحرية ما كانت تسمحلنا نفكر فيها) قالها في جلسة كنت موجودا فيها وآثار الحرب على وجهه تبدو واضحة ككل إنسان عاش في ظلها، بدأت أدقق في ملامحه، لم أعرف بالتحديد ما لذي منع دموعه من السيلان، وكأنما اطفئت تلك الدموع لهيبا لطالما رأيته يتأجج في عينيه قبل أربع سنوات.
أثارت كلماته في ذهني شعورا هزّني وأيقظ دموعا نائمة في داخلي، بدا لي وكأنه إنسان بقامة من الآمال المؤجلة، التي ما استطاعت سنوات السجن أو سياط التعذيب هزها، قلت في نفسي (يا أخي مؤامرة.. مؤامرة وكلن متآمرين علينا ومنعرف هالحكي.. بس نحنا يا ترى عملنا اللي علينا وﻻ قصرنا) بدأت الكلمات تتضارب في ذهني، وتساؤلات نهضت فقط في تلك اللحظة هل وصلنا للنهاية؟ أم أنه من الممكن أن نبدأ من جديد؟
إنها لعبة سياسية قذرة لم توفر من هذا البلد الحزين أي شيء استغلت الثورة على أتم وجه، وجعلت منها نقمة علينا بدﻻ من باب موصود كنا نرى خلفه كل الآفاق الوردية.
إلى متى سنبقى نعاني؟ وإلى أي مدى سيمتد سقف آلامنا الذي ظهر كأنه أكبر من آمالنا بكثير؟
تساؤلات جعلت قلبي يضطرب (كعصفور هزه القطر) وسمّرت عينيّ تنظران إلى.. إلى.. إلى.. ﻻ إلى شيء محدد.. بل إلى مدى غير معروف…
هل (سنكون يوما ما نريد)؟

يارا باريش – المركز الصحفي السوري

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist