القليل من الملابس وطابعة ورق وحاسب محمول هو كل ما حملته أسماء عندما نزحت من حلب. تعليم أطفالها كان أكبر ما يقلقها. حتى بعد شهور وهي تعبر الحدود التركية وبين يديها الرضيع ذو الخمسة عشر يوما “هل سيحصل أطفالي على التعليم المناسب؟ ماهي التحديات والمعوقات التي ستواجههم؟” هو ما شغل بالها.
هل يمكن أن تصادر أملاكك دون علمك، كيف يؤثر قانون الإرهاب على المتهمين وعوائلهم؟؟
السيدة أسماء معلمة ومستشارة في قطاع التعليم منذ خمسة عشر سنة، ساهمت بتأسيس خمس مؤسسات تعليمية في تركيا وحدها، وهي مربية وأم لأربع أولاد.
حملُ السيدة أسماء الطابعة معها والحاسب الذي حفظت عليه المناهج الدراسية لتتابع تعليم أطفالها، رغم انقطاع التعليم في المدارس ورغم القصف والدمار والتهجير، هو تجربة فريدة وسابقة لأوانها مع التعليم المنزلي. بهذا حرصت على عدم الانقطاع عن التعليم، ليكبر الثلاثة من الأولاد ويدخل جميعهم الجامعات التركية.
بينما ذو الخمسة عشر يوما كبر، ويبلغ اليوم السبع سنوات. ومع أن سبع سنوات ليست بالكثير إلا أن مسيرته التعليمية متداخلة تحكي ألم طير مهاجر. بين المدارس العربية والتركية والتنقلات والصداقات مع مختلف الثقافات والعنصرية التي لا مفر منها. يدرس عبد الرحمن الآن في مدرسة تركية خاصة، بعد قرار اتخذه الوالدان في متابعة التضحية والاستثمار في مستقبل الأولاد.
وها هو خلف الشاشة مرتديا السماعات ليضعها جانبا ويركض إلى المطبخ “ماما قال الآنسة جيب 12 حبة فاصوليا بيضاء و ثلاث فناجين وثلاث أطباق” لتترك الأم ما بين يديها وتلبي طلب الصغير كي يتابع درس الحساب.
التعليم المنزلي أشبه بمغامرات توم وجيري. الأطفال في المنزل ولا مجال يسمح لتفريغ طاقاتهم وملء وقتهم، الأهل سواء يعملون عن بعد أم لا، محتجزون مع الأطفال طوال الوقت، ومجبرون على التفرغ شبه الكامل ليصبحوا هم المعلمين، ولا يزال على المعلمين الاستمرار بعملهم من خلف الشاشات مع الأطفال، وهو يشبه التكلم مع الحائط أكثر خصوصا مع الصغار ذوي نطاق التركيز الذي لايزيد عن عشر دقائق في أغلب الأحيان.
ولكن، “بدأت أرى أن مهارات طفلي تتقدم، تعلم كيف يستخدم الأجهزة الالكترونية بما يفيده في غير ما اعتاده من اللعب، وبدأ بتحمل المسؤولية تجاه دروسه، فوضع برنامج مواعيد الدروس كخلفية شاشة على الجهاز الالكتروني، وتابع دروسه بنفسه. أعتقد أن هذا أدى إلى تطور مهاراته المعرفية والسلوكية بشكل أفضل. إن مشاركتي مع طفلي وتعليمه ومساعدته أعطتني فرصة أكبر لإمضاء الوقت بشكل فعال معه وتركت ذكريات وضحكات في منزلنا”.
واهتمام المدرسة و المعلمين بنشاط الطفل وتفاعله وابتكارهم الحلول، كما في درس الرياضيات والرياضة على سبيل المثال، إذْ ركض الأطفال وقفزوا معا في بيوتهم من وراء الشاشات، كان إثباتا أن الحلول ممكنة.
تقول السيدة أسماء إن تجربة التعليم المنزلي التي مرت بها في مختلف الظروف، سواء حين طبعت للأطفال الدروس وعلمتهم بنفسها تحت القصف، أو خلال الجائحة العالمية، تعدّ ناجحة، وإنها تؤيد استمرار التعليم المنزلي ولو بشكل محدود حتى بعد انتهاء الجائحة، إن كان الأمر وشيكا، لما لمست من ايجابياته.
التعليم مهمة صعبة وحق من حقوق الإنسان، والتعليم المنزلي له العديد من المصاعب، ولكنه حل للتكيف مع المتغيرات وأفضل من التسرب في كل الأحوال.
بيان آغا
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع