باءت بالفشل عشرات النداءات التي أطلقها كل من أبناء حي الوعر بحمص من جهة والفعاليات المدنية والإعلامية من جهة أخرى، تلك التي طالبت بفك حصار قوات النظام عن الحي، كما فشلت عشرات النداءات والبيانات من منظمات الحي كمجلس محافظة حمص الحرة 9 آب الجاري والمنظمات الإنسانية لإدخال مواد إغاثية، وقد أصبح الحي بحاجة ماسة لها، كان في مقدمتها المواد الطبية والإسعافية، إضافة لحليب الأطفال، باءت بالفشل ولم يبق لها من الخيارات متسعا!
تعد الأمم المتحدة شريكة النظام في المساهمة بالضغط على الأهالي في حي الوعر للاستسلام؛ ذلك من خلال إدخال المساعدات الإغاثية عن طريقه بوساطة الهلال الأحمر السوري، وقد شهد له أكثر من مرة بعدم النزاهة والبعد عن الحياد سواء في داريا أو دوما أو حتى حي الوعر، إذ نزلت الأمم المتحدة عند شروط إدخال المساعدات إلى الحي – وقد تكرر هذا الأمر كثيرا- فاقتصرت المساعدات للمرة الثالثة على التوالي على المواد الغذائية كالطحين والخبز والأرز والبرغل، لكن المساعدات الطبية غابت في المرات الثلاث تماما، ما أدى إلى انخفاض مستوى الخدمة الطبية في المشفى الوحيد في الحي حتى إنه أعلن انعدام الخدمة في معظم أقسامه، لافتقاره للأدوية والمواد الطبية.
نتيجة تعنت النظام على مدار السنوات الثلاث الماضية خلال حصاره الحي، وأمام ضغط الحاجة الكبير إلى المواد الطبية لجأ أهالي الحي إلى بعض المواد البدائية في التعقيم والتطبيب كان منها الطين والتراب والماء والزيت المغليان، السيدة (ر.أ) من مواليد حي الوعر خريجة لغة فرنسية، خرجت من الحي متزوجة من زميل لها من مدينة إدلب بعد قصة عشق امتدت لسنوات.. تحدثنا السيدة (ر.أ) بحسب شهادات أهل الحي وأخبارهم المسربة إلى أهلها النازحين إلى لبنان أوائل فرض الحصار على الحي، لكنها امتنعت عن ذكر اسمها خوفا على حياة كثير من أقربائها في حال تمت عملية التهجير تحت مسمى مصالحة أو اتفاقية، وتم نقل المدنيين من الحي إلى مراكز إيواء مشابهة للتي انتقل إليها أهلنا في داريا.
تؤكد السيدة (ر.أ) أن المشفى الوحيد في الحي فارغ تماما من معظم الأدوات والمواد الطبية ولم يعد قادرا على تقديم الخدمة، لكنه ما يزال يقدم بعض أنواع العلاج البدائي؛ لبدائية الوسائل التي باتت متاحة بين يديه، إذ يعتمد على المواد الآتية:
الطين:
يستخدم أهالي حي الوعر المحاصر والمنظومة الطبية داخله الطين في تجبير الكسور، وتثبيت بعض الأعضاء من الجسم بدلا من استخدامهم الصفائح المعدنية أو حتى الجبس الطبي لانعدامه تماما وعدم القدرة على إدخاله إلى الحي.
التراب:
يستخدم أهالي الوعر التراب في عدد من المجالات الطبية، إذ يستخدمونه بعد نخله وتعريضه لأشعة الشمس مباشرة في إغلاق الجروح السطحية ومنع تسرب الدماء من الرأس أو الأطراف؛ إذ يستخدمونه بدلا من خياطة الجروح، أو البودرة الطبية المعدة لمنع نزيف الأعضاء المصابة بطلق ناري أو حربة بندقية مثلا.
إضافة لاستخدامه على نطاق واسع في المنازل بدلا من فوط الأطفال وفوط الكبار أو الجرحى ممن لا يستطيعون خدمة أنفسهم بأنفسهم، وعن استخدامه بدلا من أدوات التنظيم المنزلية تبتسم السيدة مؤكدة أن الأمر معتمد في الحي منذ شهور، وقد ألفت النساء تنظيف مواد الطبخ وجليها بالتراب المنخول.
الماء المغلي:
يستخدم أبناء حي الوعر الماء المغلي بدلا من كافة أنواع المعقمات لانعدامها بشكل كلي حتى أصبح الماء المغلي المادة الوحيدة المستخدمة في تعقيم المواد الجراحية على قلتها وتعطل معظمها.
الزيت المغلي:
أحد أقسى مشاهد تدمير الإنسانية على الإطلاق، إذ بدأ الكادر الطبي في حي الوعر باستخدام الزيت المغلي بديلا عن العمليات الجراحية الدقيقة والمعقدة في بتر الأطراف وترميم الطرف المبتور، فغدا الكادر في ظل النقص الكبير لدرجة انعدام كل شيء مضطرا لاستخدام الزيت المغلي في كي الطرف المبتور ما يساعد على كي الأوردة والشرايين والنهايات العصبية ما يمنع أو يساعد في منع استمرار نزيف الدماء من الطرف المبتور.
مشاهد قاسية على مستوى الإنسانية، تقف الإنسانية مكتوفة اليدين أمام تخاذل الأمم المتحدة وكافة دول العالم إضافة لتخاذل الفصائل المقاتلة عن فك الحصار لأسباب كثيرة.
بقعة تفاؤل باهتة
هل سيشهد حي الوعر استسلاما أهليا وتسليما للأرض والحي مقابل البقاء على قيد الحياة، وله في داريا مثل قريب، أم سيشهد صحوة فصائلية تفك حصاره.. أما أن يشهد تحركا دوليا أو أمما فهذا استفسار ليس واردا في فكر الكاتب، فقد ملّ انتظار هذا التحرك، لأنه أقرب منه إلى انتظار غودو.
المركز الصحفي السوري- علاء العبدالله