لم يبخل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في إصدار فتوى تفرض على “عامة المسلمين” دعم الاقتصاد التركي والوقوف مع نظام “السلطان” رجب طيب أردوغان في ما أسماه “قضاياه العادلة”.
هذا الاتحاد لم يخالف أمرا بعد أن وصله فرمان من سلطان الباب العالي يأمره بإصدار فتوى تعمم على بلاد المسلمين وتجيز “وقوف المسلمين، أفرادا وشركات وحكومات” مع تركيا ودعمها بكل الوسائل بعد أن قررت روسيا معاقبتها على خلفية قضية إسقاط طائرتها الحربية في سوريا.
وكالمعتاد وشّح هذا الاتحاد المثير للجدل بيانه بديباجة مكررة وقديمة عبر “استنكار ما يفعله الصهاينة في القدس الشريف وفلسطين المباركة”، وذلك في محاولة لإضفاء شرعية على فتواه ولكسب ود المسلمين والعرب بصفة خاصة، ولم ينس الإشارة إلى أسفه لما آلت إليه الأمور في العراق وسوريا.
لكن، فات هؤلاء الدعاة، الذين يأتمرون بأوامر السلطان في أنقرة، أن يجروا تحديثا على معلوماتهم بخصوص جمهور عريض من المسلمين ونظرتهم الراهنة للأتراك وخاصة لأردوغان. ويبدو أن ما يسمّى بـ”علماء المسلمين” يعيشون في زمن غير هذا الزمن أو أن قيمة المكافأة كبيرة جدا لدرجة أنستهم أن السواد الأعظم من المسلمين، والعرب بصفة خاصة، لم يعد يثق في تركيا ورئيسها الذي نصّبوه “زعيما قوميا”، ذات غفوة سياسية وإحباط شعبي من تردي الواقع السياسي الداخلي والخارجي، فخال نفسه السلطان عبدالحميد.
من حقّ الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين، وهو ذراع إخوانية وجزء كبير من تمويله مصدره حزب العدالة والتنمية، أن يعبّر عن رأيه تجاه سياسة تركيا، التي ستكون ملجأه إذا ما ضاقت به السبل يوما ما في قطر أو أي دولة صديقة أخرى.
لكن ليس من حقّه أن يفصّل الفتاوى على المقاس. فعلماؤه وشيوخه أدرى الناس بخطورتها. وما يقال للاتحاد الدولي لعلماء المسلمين، يوجّه أيضا لغيره من المنظّمات الإسلامية وللأزهر، ومختلف المؤسسات الدينية، التي من المفروض أنها تقف في الجبهة الأمامية للحرب ضدّ التطرّف الدموي والقتل باسم الدين.
واجب على ممثلي المسلمين، من مؤسسات وعلماء وشيوخ، أن يتصدوا إلى فوضى الفتاوى لا أن يتّخذوها وسيلة لتحقيق مآرب تزيد من النيران المشتعلة في المنطقة، التي تضفي على دورهم الديني دورا سياسيا لا يقلّ أهمية، شرط أن يكون هذا الدور المزدوج محايدا وفيه مصلحة للعامة لا فقط لتبييض صورة ولي الأمر (مثلما يحدث الآن مع تركيا).
ليس من قبيل الصدفة أن تصدر هذه الفتوى في خضم الكشف الروسي عن تمويل تركيا لتنظيم الدولة الإسلامية عبر شرائها للنفط الذي يستولي عليه من سوريا والعراق. ومع ذلك، سنفترض النية الحسنة، هنا، ونشكّك في الاتهام باعتبار سياقه الزمني وارتباطه بالخلاف بين موسكو وأنقرة. وسنصدّق البنتاغون حين يقول إن “نظرية تعاون تركيا مع تنظيم الدولة الاسلامية خرقاء وسخيفة وغير صحيحة”، رغم أن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، سبق واتهم “النظام التركي بدعم داعش بمئات الملايين من الدولارات وآلاف الأطنان من الأسلحة”، ثم عاد وكذّب نفسه لدوافع أمنية استراتيجية أميركية.
لكن، ماذا عن العشرات من التقارير الأخرى، العربية والأميركية والأوروبية، المرفقة بصور وأدلة تؤكد تورّط الجانب التركي الأردوغاني في الفوضى التي ألمّت بدول المنطقة منذ 2011. ومن سيضمن للمسلمين أنهم بدعمهم للاقتصاد التركي لن يدعموا الإرهاب الذي يهددهم في عقر دارهم.
في ظلّ ما تشهده المنطقة اليوم، وما ذاقته من “عدالة” تركيا، لن تؤتي فتاوى الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين وبياناته أكلها، وقد سقط تاج السلطان، ولم يعد يتمتّع بأي حظوة لدى “الإيّالات” السابقة للإمبراطورية العثمانية. ولا شفيع له لديها، إلا أن تثبت تركيا، التي طالت بها الطريق لتحوز على الهوية الأوروبية وانقطعت بها السبل للعودة إلى الشرق، بالقرائن حسن نواياها، وأنها يمكن أن تكون خير سند سنّي وحليفة إقليمية جديرة بالثقة، عندها لن يحتاج المسلمون إلى فتوى ليرفعوا شعارات التأييد ويحرقوا أعلام الخصوم وتجوب مظاهرتهم الشوارع لنصرة “الشقيقة” تركيا.
صحيفة العرب