اسفر استئناف المروحيات السورية القاء «البراميل» على شرق حلب واستخدام روسيا صواريخ كروز من البحر المتوسط في قصف مناطق عدة في سورية، إلى دفن خطة من أربع نقاط اقترحها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لإنقاذ شرق حلب من مصير غروزني، وسط احتدام خمس معارك مختلفة في حلب. لكن دي ميستورا، الذي تنتهي ولايته في الربيع المقبل، يراهن على تحريك الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب المسار السياسي لإنجاز «انتقال سياسي ما».
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» ونشطاء معارضون أمس، باستئناف روسيا قصف شرق حلب بعد توقفه قبل ثلاثة أسابيع لأربعة أسباب: الأول، إعطاء أوكسيجين لمفاوضات جنيف بين خبراء أميركيين وروس وإقليميين لمتابعة نتائج اجتماع لوزان الدولي- الإقليمي لإخراج عناصر «فتح الشام» (جبهة النصرة) من شرق حلب. الثاني، إعطاء فرصة لخطة دي ميستورا وحواراته الإقليمية وشملت طهران وأنقرة ورغبته بزيارة دمشق. الثالث، انتظار وصول المعدات العسكرية الروسية إلى البحر المتوسط. الرابع، رغبة الرئيس فلاديمير بوتين بتجنب الضغط الإعلامي بعد تركيز عالمي على حلب ومقارنتها بعاصمة الشيشيان، غروزني التي دمرها الروس في العام 2000.
وكان لافتاً أن استئناف الغارات الروسية واستخدام الأسطول في المتوسط جاء بعد اتصال بوتين بترامب وإعلان الكرملين أن الحديث تناول محاربة الإرهاب والمتطرفين في سورية، علماً أن موسكو نفت أن تكون غاراتها شملت شرق حلب أمس.
لكن «البراميل» والغارات كانت بمثابة نعي لخطة حلب من المبعوث الدولي التي نصت على أربع نقاط: وقف النار والقصف الجوي، مغادرة عناصر «النصرة» شرق حلب، إيصال مساعدات إنسانية إلى شرق حلب وغربها، بقاء المجلس المحلي المعارض في شرق حلب لفترة انتقالية. وأعرب دي ميستورا عن أمله في أن تؤدي هذه الخطة إلى تجنب تدمير شرق حلب وإفراغها وإنقاذ حلب من مصير غروزني، لأن موسكو كانت واضحة في أنها ستقوم باتباع سياسة الأرض المحروقة ومترددة في الوصول إلى حدود نموذج غروزني.
تنفيذ خطة دي ميستورا اصطدم بالخلاف على عدد عناصر «النصرة» بين قول دي ميستورا إنهم 900 وقول موسكو إنهم ألف عنصر واعتبار دمشق جميع المقاتلين «إرهابيين بما في ذلك حوالى سبعة آلاف مقاتل معارض»، إضافة إلى رفض دمشق المطلق أي وجود للمجلس المحلي والمؤسسات الطبية والمدنية في مناطق المعارضة. في المقابل، رفضت فصائل معارضة الخروج من شرق حلب وانضم بعضها مثل «نور الدين الزنكي» إلى غرفة عمليات «جيش الفتح» الذي يضم «النصرة». كما حذر معارضون من خطة لإفراغ شرق حلب كما حصل في مدينة داريا قرب دمشق ضمن سياسية «التغيير الديموغرافي».
وبحسب مسؤول غربي، تحتدم في حلب خمس معارك وليس معركة واحدة: واحدة شرق حلب بدأت أمس بشن غارات مكثفة. ثانية في جنوب غربي المدينة، حيث دارت معارك بين فصائل إسلامية في «جيش الفتح» والقوات النظامية تحت غطاء من القصف الجوي لم يتوقف أبداً. ثالثة متوقعة في الأحياء القديمة قرب قلعة حلب، التي يريد النظام أن يفرض تسوية عليها كما حصل قرب دمشق. رابعة، في ريف حلب الشمالي، حيث يتقدم «درع الفرات» بدعم تركي باتجاه مدينة الباب لطرد «داعش» من معقله. خامسة، شرق حلب بين «قوات سورية الديموقرطية» الكردية- العربية و «داعش» حيث يقدم التحالف الدولي بقيادة أميركا دعما جوياً لهذه القوات.
وفي موازاة حدة المعارك والقصف، لا يزال دي ميستورا يراهن على تسويات جزئية وصولاً إلى تفعيل الحل السياسي. وقال أمس في حوار مع برنامج «هارد توك» في «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي)، إن سعي ترامب للعمل مع روسيا لهزيمة «داعش» صائب وأمر حيوي، لكن النصر على المدى البعيد يتطلب «نهجاً جديداً تماماً» في ما يتعلق بالحل السياسي. وأضاف: «بكلمات أخرى، نوع من الانتقال السياسي في سورية، وإلا فإن الكثير من الأشخاص الآخرين غير الراضين في سورية ربما ينضمون إلى داعش في وقتٍ هم يقاتلونه» حالياً. وقال أيضا إنه يتوقع من الولايات المتحدة بصرف النظر عن سياستها، أن تبقى لاعباً أساسياً في محاولة حل الأزمة في سورية.
وإذ أبلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نظيره الأميركي جون كيري، أن ما يفعلونه في سورية وحلب هو «قتال لتنظيم القاعدة الذي شن هجوم 11 أيلول (سبتمبر) 2001»، فإن مسؤولين غربيين يراهنون على أن بوتين لا يريد تكرار سيناريو غروزني، وأنه «عبّر عن انزعاجه لدى سماعه ذلك في جلسات مغلقة»، مع أن السفارة الروسية في واشنطن قالت قبل أيام: «غروزني الآن سالمة وحديثة ومزدهرة. أليس هذا ما يريده كيري و(وزير الخارجية البريطاني) بوريس جونسون». أما الأمم المتحدة، فاعتبرت غروزني في 2003 المدينة الأكثر دماراً على وجه الكرة الأرضية.
وقال دي ميستورا في لندن امس: «التركيز فقط على نصر عسكري سيكون النصر باهظ الثمن تعقبه حرب عصابات طويلة ومؤلمة… واستمرار الموت السوري».
الحياة