العرب أمين بن مسعودص
لم يتأخر رباعي الإمارات والسعودية ومصر والبحرين في سحب تصنيف وتوصيف الإرهاب على الهياكل الدينية المنضوية صلب منظومة الإخوان المسلمين عبر وضع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على قائمة الكيانات الإرهابية.
كان من الواضح أن المسار الذي يبدأ بتصنيف التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين كطرف إرهابي سيمرّ حتما عبر أذرعته الدينية الدعوية والإعلامية وحواضنه وحواضره الإقليمية. وبعيدا عن الذرائع التي قدمها الرباعي العربي لشرعنة قراره، فبالإمكان الإشارة إلى أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فشل منذ نشأته في أن يجسّد حقيقة الوحدة الإسلامية، ناهيك عن أن يكون منبرا توافقيا لفقهاء ومفتي الديار المسلمة.
على مدى عقد من الزمان، جانبت مدونة الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين مقاصدية الشرع الحنيف في الوحدة والتدرج والتوافق ورصّ الصفوف، ذلك أنه تحول في أكثر من ملعب عربي إلى طرف ضمن مشهدية الاحتراب والدماء، إلى درجة أنه بات مسوغا في أكثر من مرة للاغتيال السياسي ضد الرؤساء والمسؤولين العرب وفق مقولة “المقدس والمسدس”.
ولن نخطئ التقدير إن قلنا إن الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين صار حصان طروادة لجماعة الإخوان المسلمين، والذين هم بدورهم حصان طروادة لمحور تركي قطري امتطى موجة الربيع العربي لتحصين المواقع والمواقف بقرابين الفوضى الناعمة، والتي تبدأ عبر مساحيق “الترياق الديني” وتنتهي عند سمّ سقوط العواصم واندحار الأمم.
والحقيقة أن عددا معتبرا من العلماء والفقهاء تبيّنوا حقيقة المشروع أو على الأقل استكنهوا الفرق بين النص التأسيسي والتطبيق العلمي، فقدموا “استقالة الموقف” من الاتحاد رافضين أن تتورط فتاواهم بدماء الأبرياء، أو أن تشرّع اجتهاداتهم لمغامرات البعض في الوطن العربي، أو أن يضيفوا من رأسمالهم الرمزي لصالح مآرب سياسوية لفائدة أحزاب وتيارات تنظيمية فاشلة.
هكذا أصّل المفتي الموريتاني عبدالله بن بيه لاستقالة الموقف التي أبان فيها عن عمق فكري في استكناه مقاصد الشرع والشريعة.
وفي المقلب المقابل، اختار غيره البقاء ضمن منظومة الإفتاء لشرعنة سياسات الأخونة، بل إن فروعا للاتحاد تم إنشاؤها في العديد من الدول العربية وعلى رأسها تونس، حيث يدير الوزير الأسبق للشؤون الدينية نورالدين الخادمي المركز الفرعي للاتحاد.
والحقيقة التي لا بدّ من الإقرار بها هي أن وجود الاتحاد في تونس، يحمل في طياته لا فقط بذور التباين مع مقاربة الرباعي العربي وإنما أيضا يتضمن مشاكل سياسية واستراتيجية جدّ عميقة.
ذلك أنّ “اتحاد القرضاوي” هو في المحصلة جزء من القوة الناعمة التي وظفتها الدوحة في معركة العقول والأفئدة وميادين القتال سواء بالنار الباردة أو الأوار المشتعل.
فكما استعانت الدوحة بقناة الجزيرة المدفعية الإعلامية الثقيلة، ومراكز الدراسات السياسية للباحث عزمي بشارة، واستدرار الأحداث الكبرى على غرار كأس العالم لكرة القدم 2022، توسّلت بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ليكون “البلدوزر الناعم” ضاربا في أعماق الأرض ومستهدفا ميكانيزمات المحددات المبدئية والميثاقية.
صحيح أنّ لكافة الدول، ولا سيما منها تلك الديمقراطية، منظومات قوة ناعمة حقيقية تستهل بالإعلام ولا تنتهي عند تخوم تمويل الجمعيات المدنية، ولكن عندما يرتبط الأمر بقرار تصنيف وتوصيف بالإرهاب من عواصم عربية ذات ثقل استراتيجي لن يتأخر في أن يتحول إلى قرار صادر من الجامعة العربية يصبح الأمر مختلفا للغاية.
سرعان ما تلقفت حركة النهضة قرار التصنيف معلنة تبرؤها من الاتحاد ومؤكدة أن رئيسها راشد الغنوشي قدم استقالته منذ أعوام عديدة.
تبرّؤ النهضة من لوثة “اتحاد القرضاوي” يحتاج إلى توضيحين، أولهما مرتبط بطبيعة استقالة الغنوشي هل هي تنظيمية أم مبدئية؟ وإن كانت ميثاقية في إطار ما يسمى بالمراجعات فما هي أبرز الأخطاء والخطايا التي اجترحها التنظيم؟
وثانيهما، كيف بالإمكان استبطان واستجلاء مسافة النهضة من اتحاد القرضاوي وادعائها الفصل بين الدعوي والسياسي، والعديد من أبنائها لا يزالون ينشطون جهرا وسرا في الجمعيات الدينية ولهم ساق في المجال السياسي وأخرى في السياق الديني.
أمام الفاعل الرسمي التونسي ثلاثة خيارات كبرى، فإما إغلاق فرع الاتحاد وإنهاء وجوده بشكل بات، وإما ترك “تركة” الإخوان في تونس كما هي مع استدرار كافة التداعيات الممكنة وفق مقولة السيادة الوطنية، أو طلب فك الارتباط الجوهري والمركزي والفكري بين فرع الخادمي وأصل القرضاوي.
إن ثقافة التوطين والتمكين والتبيئة للأحزاب والجمعيات والمراكز الفكرية مع الانفتاح هي الحل لإشكالية الفروع ذات الارتباط التنظيمي والأجنداتي بالأصل، والوكيل المحلي ذي الارتهان للأصيل الأجنبي، وتلك قضية كبرى.