أمين بن مسعود – العرب
كان من الواضح أنّ موافقة واشنطن على الاتفاق النووي الإيراني في العام 2015، ناتجة عن قرار إدارة يقودها رئيس ديمقراطي شاب أراد أن يسجل لمرحلته في البيت الأبيض اتفاقا دوليا تاريخيا، أكثر منه قرار دولة تسوسها مصالح وعلاقات مع إسرائيل.
حاول الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما طيلة فترة رئاسته إقناع الجمهوريين بمختلف ألوانهم ومواقعهم ومواقفهم، بقيمة الاتفاق وجدواه البعيدة والعميقة لصالح إسرائيل وأميركا، ولكن بقيت خطوته استثناء وحالة شاذة عن قاعدة التناقض الاستراتيجي والبنيوي بين واشنطن وطهران.
بهذا القرار، يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد قوّض إرث أوباما بشكل نهائيّ ووضعه على هامش المنظومة السياسية الأميركية، فبعد استهداف المنظومة الصحية “أوباما كير”، وإعادة قطع العلاقات مع كوبا، وتوتير العلاقات مع كندا، جاء دور الاتفاق النووي مع إيران والذي اعتبرته إدارة أوباما في وقت سابق درة تاج سياساتها الدبلوماسية.
إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني في وضعية سياسية لا تحسد عليها، فهي واقعة بين مطرقة العقوبات الأميركية التي ستعود ضدّ اقتصادها، وبين سندان الاتفاق النووي
فسخ ترامب تركة أوباما بشكل نهائي، لا فقط في مستوى السياسات المحلية والدولية، بل حتى في مستوى الخطاب السياسي والصورة الزعاماتية عن ساكن البيت الأبيض، فلئن كان الأوّل مفضّلا مسلكيات “الحرير الشائك” و“الحديد الناعم”، فإن ترامب يصيب “الممكن” دون كبير اهتمام بـ“فنّ الممكن” ولا بأنصاف الحلول.
والحقيقة أن ترامب نفذ معظم وعوده الانتخابية، بما فيها تلك التي وقع تمثلها عربيا على أنها غير قابلة للتحقق، وأنها مندرجة فقط في صلب الحملة الدعائية، ليبقى السؤال المركزي بأي ثمن وبأي تداعيات على المنطقة الشرق أوسطية.
ربط ترامب في خطابه بين قرار الانسحاب والأسباب الأربعة التي اعتبرها وجيهة لاتخاذ قرار الانسحاب، وهي “البرنامج الصاروخي الباليستي” و“تزويد الميليشيات الطائفية في اليمن ولبنان بالصواريخ الباليستية”، و“التوسّع الإيراني الملحوظ في أكثر من 5 عواصم عربية”، و“عجز الاتفاق في شكله الحالي عن لجم البرنامج النووي الإيراني” الذي شدّد ترامب على أنه يمتلك أدلة عن دخول طهران مرحلة تصنيع السلاح النووي.
وهي مقدمات تؤكد أن الاعتبارات التي بنيت عليها الخطوة الأميركية، هي اعتبارات إقليمية تخصّ أصدقاء واشنطن في الخليج العربي وفي الشرق الأوسط، أكثر من تعلقها بمدى تطور المشروع النووي بحد ذاته.
بكل وضوح تعتبر واشنطن أن أي اتفاق نووي مع إيران، لا بد ألا يكون اتفاقا نوويا فقط، بمعنى أنّ لا شرعية ولا معنى وفق المقاربة الترامبية لأي اتفاق مع طهران، ما لم يحتو على 3 شروط أساسية وهي “تقليم المشروع النووي”، و“تحجيم دور إيران في المنطقة”، و“تأزيم الجماعات الطائفية المرتبطة بإيران عبر قطع علاقتها نهائيا بالمركز”.
ترامب فسخ تركة أوباما بشكل نهائي، لا فقط في مستوى السياسات المحلية والدولية، بل حتى في مستوى الخطاب السياسي والصورة الزعاماتية عن ساكن البيت الأبيض
وهو بالضبط، مكمن الاختلاف بين أوروبا وروسيا من جهة، وواشنطن من جهة ثانية، فالأطراف الأولى تعتبر أن قيمة الاتفاق مع إيران قيمة نووية صرفة، في حين أن واشنطن تقارب المسألة من زاوية أن الاتفاق لا بد أن يبدأ من المشروع النووي ولا ينتهي عنده. وعلى هذا الأساس عارضت موسكو وباريس ولندن وبرلين وبيكين الخطوة الأميركية واعتبرتها تقويضا لما أنجز عام 2015.
كان عنوان لقاء دونالد ترامب – إيمانويل ماكرون في البيت الأبيض، الأزمة الإيرانية، حيث سعى ترامب إلى إقناع ماكرون بضرورة اتباع باريس للخطوة الأميركية ضد طهران، إلا أنّ حسابات الحقل الباريسي اختلفت عن البيدر الأميركي، فالشركات الفرنسية التي استوطنت حقول النفط والغاز في طهران ألجمت الرئيس الفرنسي عن المضي قدما في المسار الأميركي، ومثل باريس غرّدت موسكو وبيكين.
أما في طهران، فإن القرار الأميركي زاد من تصدع الفجوة بين التيار الإصلاحي والتيار المتشدد الذي سيجد فيه الأخير، خير محاججة على أن الاتفاق لم يكن سوى تعطيل لعجلة التقدم النووي في مقابل حفنة قليلة من الأموال لم تمنع المواطنين من الخروج رفضا وانتفاضا على حالة الفاقة المنسحبة على شرائح عديدة من الشعب الإيراني.
إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني في وضعية سياسية لا تحسد عليها، فهي واقعة بين مطرقة العقوبات الأميركية التي ستعود ضدّ اقتصادها، وبين سندان الاتفاق النووي الذي يفرض عليها تعطيلا وتأجيلا وتعليقا تاما للنشاطات النووية، بمعنى أنها لا تستطيع استعادة الزخم النووي الذي كان بمثابة “عنوان الأنفة الفارسية” وهي أيضا عاجزة عن إيقاف نزيف العقوبات الاقتصادية التي تضرب عصب الاقتصاد الإيراني.