هناك شعور بين الأكراد خاصة السوريين منهم بأنهم حصلوا على دعم من قوة عظمى قد تساعدهم على تحقيق آمالهم وبناء دولتهم.
فحضور ضباط أمريكيين لجنازة المسلحين الأكراد الذين ماتوا بسبب القصف الجوي التركي في نهاية الشهر الماضي كان مناسبة محملة بالرمزية وكذا تحليق العلم الكردي إلى جانب العلم الأمريكي في دوريات مشتركة كان المناسبة الأخرى التي تشير إلى ما وصل إليه التحالف الأمريكي ـ الكردي.
وكان مشهد المدرعات الأمريكية وهي تمر في شوارع البلدات الكردية في طريقها لحماية الحدود مع تركيا مناسبة فرح لدى السكان. ففي مدينة القامشلي نقل موقع «سيريا دايركت»عن أحد سكانها واسمه إيفان أبو زيد قوله: «أقول لك كنا مثل من ذهب إلى عرس»، مضيفا أن «الناس كانوا يشعرون بسعادة غامرة ويصفقون ويلوحون للجنود الأمريكيين».
ويعلق سكوت باترسون في صحيفة «كريستيان ساينس مونتيور» قائلاً: «إن الأكراد أصبحوا وبمساعدة أمريكية القوة المحلية الوحيدة القادرة على إخراج تنظيم «الدولة» من مدنية الرقة، عاصمة ما يطلق عليها الخلافة»، موضحا أن أكراد سوريا أو قوات حماية الشعب ليست الأولى التي تتعاون مع الأمريكيين. ففي العراق لعبت قوات البيشمركه دوراً مهماً في مواجهة تنظيم «الدولة» هناك.
ويقول إن محاربة الجهاديين هو آخر مثال عن تعاون الولايات المتحدة مع المقاتلين الأكراد، مشيراً إلى أن دروس الماضي لم تنته دائما نهاية سعيدة بل بالخيانة. فمن الذكريات المرة تلك التي دعت فيها واشنطن أكراد العراق للثورة على صدام حسين عام 1991 ثم سمحت له بسحقها.
هل التحالف قوي؟
ومن هنا يتساءل الكاتب عن قوة التحالف الأمريكي ـ الكردي في هذه الحالة؟ وماذا يتوقع الأكراد السوريون مقابل تضحياتهم؟
وهل يقامرون هذه المرة وتتخلى القوى المعارضة لتنظيم «الدولة» عنهم نتيجة للضغوط التركية التي تدعو الولايات المتحدة الإختيار بين حلفائها؟
ويقول نوح بونزي المحلل البارز في شؤون الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية: «هذه مخاطرة كبيرة يقوم بها حزب الإتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعبية».
وأضاف «إن مقامرتهم تقوم على أن التعاون مع الولايات المتحدة لن تزيد من سيطرتهم على المناطق ومن شرعيتهم الدولية بشكل تدريجي فقط، بل وسيردع الهجمات التركية عليهم».
ومع ذلك لم يحمهم الأمريكيون من هجمات الطيران التركي في 25 نيسان/إبريل وقتل فيها 20 مسلحا.
وكانت هذه الغارات بمثابة جرس إنذار وهو أن التأثير الأمريكي والروسي على أنقرة يظل محدودا وأن هذه تستطيع لو أرادت التخريب على عملية الرقة.
وهذا ما حدث فعلا، فبدلا من تركيز القوات الأمريكية الخاصة على العملية المقبلة تم نشرها لحماية الأكراد من الهجمات التركية.
ويقول باترسون إن قوات حماية الشعب تظل حليفا إشكاليا: فقيادتهم وإن كان لديها 50.000 من المقاتلين تحت مظلة «قوات سوريا الديمقراطية» التي تشمل بعض المقاتلين العرب إلا أنهم يعتبرون فرعا لحزب العمال الكردستاني «بي كا كا»، المنظمة التي تشن منذ عقود حربا على تركيا، وتتعامل معها والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.
ويشكل مقاتلوها العصب الرئيسي لوحدات حماية الشعب وبخبرة سنوات طويلة في القتال. إلا أن مدخل الإدارة الأمريكية بشأن استعادة الرقة قام على توسعة للخطة الأولى التي ورثتها عن إدرة باراك أوباما والتي تتركز على دعم قوات حماية الشعب.
ففي أذار/مارس قرر الرئيس دونالد ترامب إضافة 400 عنصر من القوات الخاصة إلى 300 يعملون مع قوات حماية الشعب، ثم قرر في 8 أيار(مايو) تسليح الأكراد.
ويقول الكاتب إن رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي سيصر عند لقائه في 16 أيار (مايو) مع ترامب في البيت الأبيض على وقف التعاون مع منظمة إرهابية. إلا أن المسؤولين الأمريكيين يصرون على التفريق بين «بي كا كا» وقوات حماية الشعب.
وفي الأسبوع الماضي أكد أردوغان أن المسلحين الأكراد لا يختلفون عن تنظيم «الدولة» و«القاعدة»، وعليه «فالمسؤولية مشتركة لمحو المنظمات الإرهابية».
ماذا يريدون؟
ويعلق الكاتب أن أمريكا تحاول الموازنة بين علاقتها مع حليف تقليدي وآخر للضرورة إلا أن هذا يطرح أسئلة حول الثمن الذي يريده الأكراد بالمقابل.
ويعلق بولنت عليرزا مدير البرنامج التركي في مركزالدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن «أنت تضرب الرقة ليس لأنها مدينة كردية وهي ليست كذلك ولكن لأن الولايات المتحدة طلبت منك فعل هذا. وستقوم بسفك الدم مقابل شيء».
ويعلق أن توقعاتهم تقوم على دعم أمريكي لمنطقة حكم ذاتي تشبه تلك التي أقيمت للأكراد العراقيين في عام 1991.
وضمنت الفكرة الأسبوع الماضي في ورقة غير رسمية أثناء اجتماع الأطراف السورية بأستانة، عاصمة قازخستان.
وترفض تركيا نتيجة كهذه، أي ظهور كيان على حدودها ويهدد وجودها. ويقول عليرزا إن تركيا تنظر للأمر بطريقة أخرى وهي أن العالم سيراقب المسلحين الأكراد وهم يقاتلون تنظيم «الدولة» الذي ذبح عناصره الرجال واستعبد النساء والأطفال «وسيرقص العالم فرحا عندما تسقط الرقة». ويضيف أن تركيا ستجد صعوبة في وقف العملية ومنع وصول الدعم الخارجي لقوات حماية الشعب.
ويناقش باترسون أن مصاعب تركيا تمتد أبعد من معركة الرقة بل وقد تواجه عمليات من الأكراد في أراضيها.
وحسب غوني يلدز المتخصص في شؤون تركيا والأكراد «لو قامت تركيا بعمليات جديدة في سوريا فسنرى بالتأكيد زيادة في هجمات «بي كا كا» ضدالجيش التركي، مضيفاً أن قوات حماية الشعب سترد على أي غارات تركية. وقال إن الثنائية التي تواجهها الولايات المتحدة هي الإختيار بين تركيا والأكراد.
ولو اختارت فستقف مع تركيا إلا أن واشنطن ومنذ عام 2014 تقوم بضرب الطرفين ضد بعضهما البعض وتمارس نفوذها عليهما. ويتساءل الكاتب عن ديمومة هذا الواقع وماذا سيجري بعد تنظيم «الدولة». ويحذر نوح بونزي من مجموعة الأزمات الدولية إن الوضع خطير خاصة للأكراد وعندما يحرف الأمريكيون نظرهم لأمور أخرى. وفي الوقت الذي أثبت فيه المقاتلون الأكراد كفاءة عالية ومهنية إلا أنهم ربما اٍساؤوا تقدير التزام الولايات المتحدة «وعلى ما يبدو ليس لقادة الأكراد جواب عما سيفعلونه عندما يتراجع ويقل الدور الأمريكي».
وهو ما يترك تساؤلات جديدة حول استخدام الولايات المتحدة للأكراد مثلما باعتهم في عام 1975 للنظام العراقي عندما اعتقدوا أنها ضمنت لهم دعما عسكريا من إيران.
وشعروا بالخيانة عندما دعمت واشنطن صدام في حربه ضد إيران في ثمانينات القرن الماضي وكذا عندما شجعهم جورج بوش الأب على الثورة ضد بغداد بعد حرب خليج الأولى.
ويقول عليرزا إن تاريخ الأكراد مليء بالوعود الكثيرة التي قطعت لهم، مشيراً إلى أن التعاون الأخير مفتوح وواسع و «غير مسبوق» وهو ما يثير قلق تركيا التي تحاول منع أي تعاون إلا أنها تواجه خيارات صعبة.
لا خطة بديلة
ومن هنا علقت مجلة «إيكونومست» قائلة إن خطة تركيا البديلة غرقت في الماء بعد قرار ترامب تسليح الجانب الكردي.
وعلقت قائلة إن لقاء الرئيس دونالد ترامب مع الرئيس التركي أردوغان «كان دائما يحمل ملامح التوتر» وبعد قرار ترامب في 9 أيار/مايو تسليح الأكراد في شمال سوريا فالخطر هو أن «يصبح مسموما».
وقالت إن غارات تركيا نهاية الشهر الماضي على مواقع الأكراد في سوريا والعراق كان الهدف منها إقناع الولايات المتحدة تغيير موقفها الداعم من قوات حماية الشعب.
ورغم الإنتقادات الروسية والأمريكية ومن حلفاء أنقرة في إقليم كردستان العراق وحكومة بغداد إلا أن الضرر الاكبر منها أصاب علاقة تركيا مع الولايات المتحدة، فبعد الغارات بدأت القوات الأمريكية الخاصة دوريات مشتركة مع وحدات حماية الشعب على الحدود السورية ـ التركية لمنع مناوشات جديدة بشكل فتح الباب أمام منظور مواجهة بين دولتين عضوتين في حلف الناتو. واتهمت وزارة الخارجية والدفاع الأمريكيتين تركيا بتعريض حياة الجنود الأمريكيين للخطر، واتهموا تركيا بأنها لم تعطهم إلا أقل من ساعة قبل بدء الغارات.
وفي الوقت الذي تشتكي فيه الولايات المتحدة من ضرب وكلائها تعبر تركيا عن غضبها من تسليح أمريكا أعدائها. وتشير المجلة لدوامة العنف المندلعة من سنوات بين الأكراد والأتراك والتي خلفت وراءها دمارا ودماء في جنوب ـ شرق تركيا.
ويقول محمد سمسك، نائب رئيس الوزراء التركي إن حكومته لديها «أطنان من الأدلة» عن وقوع الأسلحة التي يقدمها الأمريكيون لقوات حماية الشعب بيد المنظمة الأم «بي كا كا» في حربها ضد القوات التركية.
وعلى خلاف الموقف في أنقرة لا يزال المسؤولون في واشنطن يفرقون بين المسلحين في شمال سوريا والأكراد في جنوب تركيا.
وتعلق المجلة أن خيارات تركيا محدودة فعملية ضد مواقع الأكراد القوية شرقي نهر الفرات ستضع قواتها في مواجهة مباشرة مع القوات الأمريكية الخاصة. كما أن عملية في شمال ـ غرب سوريا ستضع القوات التركية تحت رحمة الطيران الروسي كما يقول آرون ستين المحلل بشؤون تركيا في المجلس الأطلنطي.
وتعتقد المجلة أن العلاقة بين حليفين في الناتو دخلت ازمة جديدة وخسر أردوغان أول معركة سياسية كبيرة مع إدارة ترامب والسؤال يتعلق بالخطوة المقبلة التي سيتخذها الرئيس التركي؟
ثمن باهظ
وتعلق صحيفة «نيويورك تايمز» أن البيت الأبيض اتخذ القرار بتسليح الأكراد رغم المعارضة التركية الشديدة ولكنه جاء بثمن باهظ. فإغضاب تركيا يحمل معه مخاطر تمزق علاقة مع حليف مهم في الناتو ويقوم بالتقرب من روسيا وربما ترك أثره على الحروب ضد تنظيم «الدولة» في العراق وسوريا.
ويرى محللون أن تهديدات المؤسسة التركية باتخاذ خطوات متشددة ضد الاكراد في البلدين وإن لم تكن واضحة فهي ذات معنى.
وقالت الصحيفة إن رئيس الوزراء بنعلي يلدرم حذر يوم الأربعاء من تداعيات القرار الخطيرة على الولايات المتحدة.
ويتوقع المحللون بحث أردوغان عن مقايضة مقابل «بلعه» القرار الأمريكي العمل بشكل قريب من الأكراد في سوريا. ومن هنا فقد يطلب من الأمريكيين منحه الضوء الأخضر لضرب «بي كا كا» في العراق.
ويقول الخبراء إن هذا يعني زيادة تركيا من غاراتها المتقطعة على المسلحين هناك. وفي سيناريو آخر يقول سونير جاغباتاي من معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى إن تركيا قد تقوم بتنسيق عملية لجماعة كردية منافسة قريبة منها.
وقام حزب العمال ومنذ عقود بعمليات ضد تركيا معتمدا على قواعده في شمال العراق إلا أنه بدأ قبل فترة بالتعاون مع الميليشيات الشيعية التي تحظى بدعم من إيران.
ويقول أرون ستين، الخبير في المجلس الأطلنطي «عادة ما أميل لتصديق كلام الرئيس التركي» فهو «إن قال أنه سيقوم بأمر ما في العراق فأميل إلى أن سينفذ وعده».
وستحقق العملية بعضا من الاهداف التركية لكنها لن تمنع من نشوء كيان مستقل للأكراد في سوريا. ولكنها ستقوم بعزل الكانتونات الكردية وتمنع من توسع الحركة الكردية وإشعال المشاعر القومية داخل أكراد تركيا وهو ما يثيرقلق الرئيس أردوغان.
وفي الوقت نفسه فستعقد العملية التركية من مهمة إيران بالمنطقة والتي تقيم الجماعات الوكيلة لها علاقة وثيقة مع «بي كا كا».
وستؤثر بالتالي على خطط طهران بناء ممر طويل من طهران عبر العراق وسوريا إلى البحر المتوسط.
وتنقل الصحيفة عن السفير الأمريكي السابق في أنقرة جيمس جيفري قوله إن أردوغان يمكنه التعايش مع دويلة لحزب الإتحاد الديمقراطي في شمال- شرق سوريا و»لكنه لا يستطيع التعايش مع دويلة لحزب الإتحاد الديمقراطي تدعمها الولايات المتحدة ومرتبطة بإيران».
ولا يستبعد المحللون تحرك تركيا ضد مقاتلي «بي كا كا» الذين أقاموا قواعد لهم في جبل سنجار بشكل يعطيهم القدرة للتحكم بالطريق الرئيسي ما بين العراق وسوريا.
ويقول جاغباتاي إن الأتراك سيقومون بعمل أي شيء لمنع تحول سنجار إلى المقر الرئيسي الثاني.
وسيكون التحرك ضد «بي كا كا» هو الأساس للصفقة بين ترامب وأردوغان. وقال إن أردوغان سينظر للطرف الآخر عندما يستعيد الرقة اعتمادا على أكراد سوريا فيما سينظر ترامب للجانب الآخر عندما يقوم بضرب «بي كا كا» في العراق هذا إن لم يقدم الدعم له.
ولن يلغي التعاون التناقض الذي أصاب العلاقات الأمريكية ـ التركية، فمن ناحية يعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية أما شقيقته أو ربيبته السورية فليست كذلك حسب وجهة الرأي الأمريكية وسيتلقى هذا الفرع أسلحة ثقيلة، رشاشات وعربات مدرعة.
وتقول الصحيفة إن محاولة ضرب الأكراد في سوريا أمر محفوف بالمخاطر، فالجيش التركي ضعي.
وتقول ناز دوراق أوغلو التي ساهمت بتطوير السياسة نحو تركيا في الخارجية أثناء إدارة أوباما: «الأتراك ليسوا في وضع للقيام بهذا».
بخلاف الحال في العراق حيث لا يعمل «بي كا كا» تحت غظاء الأكراد السوريين وليس مدعوما من الأمريكيين.
ومن هنا فلن تجد أنقرة الكثير من المعوقات. ويمكن لأردوغان ان يجد دعما من حلفائه الأكراد في حكومة إقليم كردستان الذين تتسم علاقتهم بأكراد سوريا وتركيا بالتوتر.
وفي حالة قررت تركيا التحرك ضد الإنفصاليين الأكراد في العراق فستخفف صداعا أمريكيا في شمال سوريا لكنها ستخلق آخر لأكراد العراق والحكومة العراقية.
ولن تتعامل هذه مع توغل تركي في أراضيها وهي التي تتعامل مع أمريكا وإيران وستعتبر التدخل التركي حرفا لجهودها عن قتال تنظيم «الدولة».