سورية ليست رقمًا واحدًا فقط

هنا، مطرقة الموت لا تعرف سوى العد والتعداد، هنا كانت أول لغة مكتوبة وجدت في تاريخ البشرية، وإحدى أعظم الحضارات في تاريخ البشر. وليس كذلك فحسب، هنا الحزب الأوحد، والسبعة أو العشرون “الدبيكة” في الجبهة الوطنية. هنا الله حين خلق الكون في سبع واستوى على العرش بعدها، خصّ السوريين بسبع عجاف كما خص يوسف عليه السلام، فهل أجّل سمانهم لسبع مقبلات؟
هنا كانت الأرض تعج بملايين القصص من الأمل والحب والحياة، تمتلئ بمئات المنابر للمظاهرات والاعتصامات في أيام جُمعِها وآلاف الآلاف ترقص على لحن واحد، لحن تناغم عليه السوريون، لحن اجتُزّت حنجرة القاشوش وغيره فداه، و”كان الله يعزف الإيقاع” والحلاج يترنم دائرًا على عقبيه فيرتقي، وكان اللحن حياة: واحد، واحد الشعب السوري واحد. هل كان حلمًا؟ لا كان واقعًا تغمد في مسيرة من الأمل والتحدي في صيرورة التشكل والثورة، كانت ولم تزل روح السوريين تهيم في فضاء الكون تبحث عن وطن واحد، عن دولة واحدة، بلا صفاتها الرقمية، سواء الاثني عشرية أو ملّاتها السبعينية، أو أقلياتها الخمسين، المدنية منها والاثنية.. وكان اللحن وطنًا.
الرقم في التقارير
اليوم يطالعك الرقم فاغرًا فاه، جافًا بكل محتواه، سوى رائحة اللحم الآدمي، صراخ الأطفال ونحيب الأمهات وفوق كل هذا قهر الرجال ودمع بين حبيس وفياض، وآلاف اللقاءات المكوكية للمعارضة السورية لتوحيد جهدها! والثنائي الوقح، لافروف وكيري، في المعادلة السورية العالمية لم يناما في منزليهما إلا نادرًا. فالأمم المتحدة بات مسرحًا وجنيف ملتقًى، وبينهما تدور عواصم العالم السبعة، القاهرة، موسكو، الـ أستانا، حميميم، طهران، أنقرة، والرياض وربما غيرها مئات المحطات لدوائر الرقم في خماسية المعنى: الإعاقة في الحل السوري، التفاهم في الحسم العسكري، التراخي في الدعم المدني، التواطؤ في التغيير الديموغرافي، والخذلان فوق ذلك رمح ينحر قلب السوري في كل مكان.
عن سورية يتحدث العالم بأسره، وكل تقارير العالم تبادرك بالأرقام، والأرقام تفقأ عين البشر قبل عقولهم، سوى عقل لا يحمل من الرحمة قسطًا أو معنى، وتطالعك تقارير الأمم المتحدة ومنظماتها تعد وتحصي بعدد ما قلق بان كيمون فيه، على السوريين، المستقيل نهاية العام السابق:
– خمسمئة ألف مواطن سوري، وما يزيد، قتلوا في سورية، وكأنهم تبخروا بفعل زلزال!
– 5 ملايين، وما يزيد، هاجروا إلى دول الشتات واللجوء، وما يربو على سبعة ملايين نزحوا في داخلها من مدنهم، بحثًا عن السعادة! من أصل 24.5 مليون سوري قبل عام 2011، منهم ثلاثة ملايين خارجها بالأصل.
– 17000 طفل سوري قتلوا بدم بارد وأكثر، وما يزيد على المئات منهم قضوا تحت الحصار جوعًا، فكانوا في صيام طويل!
– 1.5 مليون وأكثر من أطفال سورية عرضة للاستغلال، وما يزيد على 2.4 مليون طفل خارج المدارس و5 آلاف مدرسة مدمرة، وذلك بحسب “اليونيسيف”، فالعلم كان رفاهية!
– سورية الأخطر على حياة الصحافيين في العالم، بحسب ما ورد في تقرير “مراسلون بلا حدود” تاريخ 12/ تموز/ يوليو 2016، وتحتل المرتبة الدنيا عربيًا و177/ 180 عالميًا في الخطورة على حياة الصحافيين.
– 1400 وأكثر مرفقًا طبيًا جرى استهدافه في عامي 2015 و2016، منها 63 مقرًا طبيًا تدعمه منظمة “أطباء بلا حدود”، ويتبع لها مباشرة، جرى استهدافه عام 2015، وانهيار في الحالة الصحية؛ نتيجة استهداف البنى التحية والمستشفيات وخروجها عن العمل!
-162 طفلًا سوريًا ماتوا غرقًا في البحر عام 2015، وكان إيلان الشاهد الأوحد وعمران يفتح عينيه مذهولًا!
– 2716 طفلًا سوريًا يرزحون تحت وطأة المعتقلات في سجون النظام الأسدي، و217 في سجون تنظيم داعش الظلامي، وأيضًا 84 طفلًا آخر في سجون المعارضة المسلحة السورية!
– 12.2 مليون مواطن سوري بحاجة لمساعدة، بحسب تقارير “اليونسيف” و”المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”.
– أكثر من أربعة ملايين سوري محرومين من المياه في دمشق، منذ 22/ كانون الأول/ ديسمبر 2016، حتى أمس، بحسب “اليونيسيف” أيضًا، ونبع بردى ينلقى عشرات البراميل على الرغم من الهدنة!
– 6 مرات من “حق” النقض (الفيتو) الروسي الكريه، بينها 4 مزدوجة بين الصين وروسيا شراكة، عطلت أي حل أممي للمسألة السورية، بينما روسيا ذاتها لم تستخدم أكثر من عشر مرات  هذا “الحق” البغيض منذ عام 1991، في موازنة مع ما يربو على 80 مرة بين عامي 1956 و1987.
– 2336 قرار مجلس الأمن الروسي المنبع، وقبله 2245، 2268 من قراراته غير الملزمة، وسلسلة أخرى من متوالية الأرقام الحسابية في قرارات مجلس الأمن لم تفصل المسألة السورية بعد، لماذا؟ لأن الرقم 7 لم يذيل في أولها أو آخرها، ولأن النية المُبيّتة تبدو -إلى اليوم- عدم حل المسألة السورية سوى بقسمتها على اثنين أو ثلاثة أو أربع، والله أعلم!
– 1077 مدينة وبلدة سورية دخلت في عملية “المصالحات” الداخلية في سورية، بحسب مركز حميميم، مركز القاعدة الروسية، التي تقصف باقي المدن والقرى والسورية، ويقول المركز أيضًا: “إن الشباب باسوا شوارب بعض لما يقرب عن عشرة بوسات لكل فرد من فرط الشوق”!
– إعادة الإعمار في سورية (بحسب الديار، ونقلًا عن مناف طلاس) تحتاج إلى ما يزيد على 200 مليار دولار، يمتلك السوريون نصفها، ولا أعلم كم تساوي من ميزانية سورية السنوية، ربما 30 أو 50 مرة من عام 2016، ربما!
– 1100 منظمة عمل مدني في سورية، وأكثر، بحسب مواطنون لأجل سورية، سورية دولة عصرية “علمانية” إذن!
– “5 ساعات عتمة وواحدة ضو” معدل الكهرباء في حينا، ولم يسمح قط بالحصول على آخر التقارير، ولا على أرقامها المدوية، ولا على عدد الطلعات الجوية الروسية فوق سورية، ربما 10 آلاف، ربما أكثر، لكن الرقم الأوضح هو بوتين رقم 1 في سورية اليوم!
الرقم المعجزة
سورية الحدث الأبرز عالميًا، الرقم المرير في المعادلة العالمية، فهي مأساة القرن الواحد والعشرين، ونكبة مدنها كبيرها وصغيرها لم تشهد مثيله ويلات الحرب العالمية الثانية، إنه الهول في سورية، ومنظمات الأمم المتحدة توثق وتندد، واقتلاع المدن والحرب على الشعب ما زال قائمًا، على الرغم من “الهدنة” وقرار مجلس الأمن الأخير 2336 في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2016 لوقف الأعمال القتالية في سورية، وإطلاق العملية السياسية فيها، للمرة الرابعة في جنيف أربعة، فهل من خامس آت! ففي سورية الرقم استحال إلى جملة من الإحصاءات الجافة، وحصيلة مفتوحة على اللا تعيين واللا تحديد في كل شيء، سوى واقع الأرض وحسه، وحده الرقم الممتلئ حياة، وإن كان موتًا أو حسرة أو غصة!
هذا ولم ندخل بعد في المصطلحات المحلية! الحواجز والموانع وتعدادها، فمسافة لا تزيد عن مئة كيلو متر تعد بها إحدى عشر حاجزًا، وكل حاجز له رقم يحمل رقم هوية صاحبه، أو رقمه السري، أو رقمًا ما، ولتر المازوت بـ 20 ضعفًا عن عام 2011، ومثله المتة والقهوة والسكر، لا عجب فكلها رفاهيات! وراتب الموظف تضاعف مرتين ليتقلص بالمحصلة ست مرات، بعد أن جاوز التضخم 12 مرة بحسب سعر الصرف الفعلي لا المعلن، وسعر المواطن بلغ القمة بعد أن بات سعر الطلقات مزادًا علنيًا في السوق السوداء!
لا عجب! فالرقم سحر، الرقم كون، الرقم لغة، فللعود خمسة أوتار، وللحنجرة ثلاثة حبال صوتية، وللإنسان رجلان وعينان ويدان، لكن له قلب واحد وعقل واحد ولسانان، لسان يظهره، والآخر يكتمه خوفًا، وربما الثالث يفتحه على سيل من الشتائم حين ينفرد بنفسه، ويصبح واحدًا. ولم يزل الرقم سبعة هو المعجزة، العام 2017، ونحن في سبعة من أول شهر فيه 7/ 1، وندخل على مهل في العام السابع من الثورة أو المسألة السورية؛ فقد باتت كونية، ولازال الجميع ينتظر الفصل السابع لإنهاء قصة الأرقام السورية اللا منتهية، عله يفتح الباب على أحد رقمين: خمس وسداس وسباع من الدويلات القزمة في بلد كان واحدًا، أو صفر قتل واعتقال وتهجير وجوع حصار، وبالضرورة سبع سمان مقبلات، يتلوه الرقم واحد، والوطن واحد وواحد فقط، والرقم معجزة ومعجزات.
المصدر:مواقع_جمال الشوفي

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist