موسكو تريد إضعاف النفوذ الأمريكي في سوريا…

في تقرير لمايك غيغليو نشره موقع «بازفيد» عن الجهود الروسية لتجنيد حلفاء للولايات المتحدة من المعارضة السورية قال فيه إن روسيا تحاول التواصل مع المعارضة المعتدلة لتقسيمها من جهة ولإضعاف الدورالأمريكي في البلاد من جهة أخرى.
ففي مقابلة مع أحد قادة المعارضة السورية أجراها الكاتب في مدينة أنطاكية جنوب تركيا التي أصبحت منذ الانتفاضة السورية مركزاً للاجئين والمقاتلين وقادة المعارضة السورية والجواسيس من كل أنحاء العالم ذكر القيادي اتصال الروس به وعرضهم للتعاون معهم. ويذكر غيغليو كيف التقى مع القيادي الذي لم يسمه وأن فصيله تلقى دعماً من برنامج المخابرات الأمريكية «سي آي إيه» السري الذي قدم المساعدة للمعارضة التي تواجه نظام بشار الأسد وكذلك تنظيم «الدولة». وعندما أجبر فصيله على الخروج من سوريا بعد مواجهة مع فصيل جهادي آخر، قام مثل بقية الجماعات التي اعتمدت على الولايات المتحدة، بالاتصال مع مسؤوليه في «سي آي إيه» الذين يتعامل معهم طالبا دعما أكثر، ولم يتلق منهم ما يكفي.
ولأنه أصبح خارج اللعبة فقد تلقى عرضاً مغرياً لا يسمح له فقط بالعودة إلى الساحة بل ويجعله أقوى: العمل مع روسيا.

دعم لا محدود

وبحسب القيادي فقد أخبره الروس «سندعمك للأبد ولن نتخلى عنك كما تخلى أصدقاؤك القدامي عنك».
ويضيف القيادي «بصراحة، لا زلت أفكر به» أي العرض. ويقول إن الروس يقومون بجهود لتجنيد قادة حاليين وبعضهم حلفاء سابقون للولايات المتحدة للعمل معهم.
وأكد أربعة آخرون صحة كلام القيادي وقالوا إنهم تلقوا عبر وسيطين سوريين عروضاً للعمل مع الروس.
ويأتي التحرك في وقت زاد فيه الطيران الروسي من هجماته على مواقع المعارضة السورية. وفي الوقت الذي دخلت فيه روسيا الحرب السورية نهاية أيلول/سبتمبر 2015 تحت ذريعة محاربة الإرهاب المتمثل في تنظيم «الدولة» إلا أنها قامت في الواقع باستهداف كل الجماعات المعارضة لنظام بشار الأسد. وبعضها لا يزال يحظى بدعم من الولايات المتحدة. وقامت في الوقت نفسه بترويع المدنيين الذين يعيشون تحت رحمة الغارات الروسية اليومية خاصة في منطقة حلب.
ويعلق غيغليو على الجهود الروسية بأنها لا تحاول فقط إخراج الولايات المتحدة من سوريا ولا تقوم باستهداف حلفاء واشنطن من جماعات المعارضة الحالية والسابقة بل وتعمل بجد كي تستقطبها للتعاون.
وتعمل موسكو على حملة سرية تحاول من خلالها إظهار الضعف الأمريكي في سوريا. والجميع يعرف أن روسيا ترغب بدعم النظام السوري ودق إسفين بين جماعات المعارضة وداعميها التقليديين بشكل تدفعهم لرفع بنادقهم ضد أعداء الأسد.

وسيط سوري

ويعلق القيادي السوري إنه وجد العرض الروسي مغرياً. ووصل إليه عبر وسيط سوري أولاً في أنطاكية ومرة أخرى في داخل سوريا وفيه: اختر منطقة في شمال سوريا وانطلق إليها مع رجالك الذين تدرب معظمهم على يد المخابرات الأمريكية وسيقدم الروس الحماية لك من «أي مجموعة» أو «أي بلد» من خلال الغارات الجوية التي تطلبها شخصياً.
وسيوفر له حلفاؤه الجدد المال الكافي والعتاد الذي يريده. وما هو الثمن لكل هذا الدعم؟ يقول القيادي إنه مطلوب منه أن يقود الحرب ضد تنظيم «الدولة» و«جبهة النصرة»- فرع «القاعدة» في سوريا والتي تعتبر من القوى الضاربة في الحرب ضد النظام السوري.
وبعد نهاية المتشددين سيقوم والجماعات التي قبلت العرض الروسي بالتفاوض مع النظام لإنهاء الحرب أولا ومن ثم تقرير مصير الأسد. وما لم يقله القيادي هو أن الروس ونظام الأسد سيواصلون مواجهة وضرب أي مجموعة معارضة للنظام في دمشق.
ويقول الكاتب إن الخطة أياً كانت فرص نجاحها، تعبر عما تسعى موسكو لتحقيقه في سوريا التي تعتبر من أهم حلفاء الروس في منطقة الشرق الأوسط، أي مساعدة النظام على تحقيق الانتصار وتقسيم المعارضة له وإضعافها. وتعني الخطة الروسية بتجنيد المعارضين للأسد انتصاراً على السياسة الأمريكية وإضعافها.

مقابلات

وتعاني السياسة الأمريكية حيال سوريا من مظاهر ضعف كثيره. فقد رفضت الإدارة الأمريكية تزويد المقاتلين بأسلحة متقدمة كما تلكأت عن تقديم الدعم للمحاصرين منهم في حلب مع أنها طالبت منذ بداية الحرب الأهلية السورية برحيل الأسد.
ويخشى القيادي أن يغضب الأمريكيون وحلفاؤهم الأتراك الذين يوفرن الدعم للمعارضة. وبدا هذا واضحاً من المقابلة التي أجراها الكاتب معه في فندق، حيث بدا متشككاً وطلب عدم ذكر اسمه كي يكشف عن تفاصيل المغازلة الروسية التي لا تزال قيد البحث «لو قلت نعم فسأخلق عدواً جديداً، الولايات المتحدة أو تركيا».
ولا يستبعد القيادي محاولة الروس استقطاب آخرين للتعاون معهم، فسنوات من الدعم الأمريكي المتقلب خلقت حالة من الغضب في صفوف المقاتلين «تعرف المخابرات الروسية كل الجماعات التي تواجه تنظيم «الدولة» وتتعامل مع أمريكا على أنها لا تملك العتاد الكافي».
وأكد قادة أربعة ما قاله القيادي في أنطاكية وأنهم تلقوا العرض الروسي نفسه. وقال كل واحد منهم إن هدف روسيا الرئيسي هو التغلب على الولايات المتحدة «هدفهم السيطرة الكاملة على سوريا وطرد الأمريكيين»، قال أحدهم الذي طلب عدم ذكر اسمه لحماية سمعته خاصة أنه لا يزال يتلقى الدعم الأمريكي. وأضاف أنه سافر إلى مصر كي يتحدث مع المسؤولين الروس ولكنه رفض عرضهم الذي اشتمل على عضوية في مجلس عسكري مع النظام و»مال ورصاص وأسلحة وكل ما أطلبه» وأضاف «لو وضعت يدي بأيديهم فسأدمر الثورة والشعب السوري معها».
ويعلق الكاتب إن وزارة الخارجية الروسية لم ترد على أسئلته وحولتها إلى وزارة الدفاع التي لم ترد على أسئلته. إلا أن الجهود الروسية معروفة وجربت مع معارضين آخرين. وذكر الكاتب هنا لؤي حسين الذي كان جزءًا من المعارضة التي تسامح النظام مع عملها قبل أن يفر العام الماضي إنه نقل رسائل من مسؤولين روس في السفارة الروسية وفي أكثر من مرة» للمعارضة وشملت استعدادهم لتزويدها بالمال والسلاح والدعم الجوي.
وعلق حسين أن الهدف كان السيطرة على سوريا ضد الداعمين الدوليين للمعارضة بمن فيهم الولايات المتحدة. وأضاف أن «موسكو ترغب بحل سياسي لكنها تريد الانتصار أولاً»، أما عن سبب نقله الرسائل من الروس فقد قال «كنت أريد وقف الحرب». وجاء التدخل الروسي العام الماضي في وقت كان فيه النظام يواجه خطر السقوط وأنقذه من ورطته حيث استعاد الزخم القتالي. ويرى حسين أن التدخل أعطى موسكو النفوذ كي تفرض حلاً سياسياً على النظام.
وأضاف قائلاً إن «النظام أصبح الآن مجرد ميليشيا ولم يعد نظاماً سياسياً» و»لم نعد نهتم بما يقوله النظام، فقط ما يقوله الروس، فهم القادة الآن في سوريا».
ونقل عن سياسي سوري معارض لعب دور الوسيط وهو أنس الشامي والذي قال إن الروس كانوا يعملون مع «بعض الجماعات التي انفصلت عن الأمريكيين» مع أنه رفض ذكر أسمائها مؤكداً أنها «سرية».
ومع أن المسؤولين في الإدارة الأمريكية امتنعوا عن التعليق على ما ورد في تقرير «بازفيد» إلا أن مسؤولاً في حكومة تدعم المعارضة قال إن الأمريكيين مطلعون على محاولات الروس التواصل مع المعارضة السورية. وعلق قائلاً «إن كنت عرفت بها أنا وعرفت بها انت فأراهن على أن الأمريكيين يعرفون بها» مضيفاً «هذه حرب عصابات».

ضعف أمريكي

وترى روسيا في محاولة استهداف فصائل في المعارضة السورية تعزيزاً لرصيدها في البلاد ومحاولة لإضعاف النفوذ الأمريكي.
وبحسب روبرت فورد السفير الأمريكي السابق في دمشق (2011-2014) والذي عمل مع المعارضة السورية قبل استقالته احتجاجاً على سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما من سوريا «أعتقد أن دور أمريكا كلاعب في الحرب الأهلية يقل يوماً بعد يوم».
ولعب فورد دوراً في الجولة الأخيرة من محادثات جنيف التي عقدت في آذار/مارس 2014 برعاية أمريكية وروسية وانتهت بدون التوصل إلى صفقة. وقال فورد إن النفوذ الأمريكي في المحادثات كان محدوداً خاصة أن الروس زادوا من انخراطهم في الحرب بإرسال قوات إلى سوريا.
ويقول عن الموقف الأمريكي «لقد تنازلوا كثيراً بسبب العمل العسكري الروسي» مضيفاً «لو أراد الأمريكيون تعزيز موقفهم فعليهم زيادة الدعم العسكري وتشجيع الأتراك والسعوديين على فعل الشيء نفسه، ولكنهم لم يفعلوا».
وهو يرى أن محاولة الروس التواصل مع المعارضة السورية تكشف عن ضعفهم أيضاً وهو دليل على غياب «استراتيجية الخروج من سوريا وهم يحاولون العثور على واحدة» وهم يفهمون أنه بدون التواصل مع عناصر من المعارضة المعتدلة فلن يستطيعوا الحصول على «مخرج سياسي» بسهولة.
وعلق فورد قائلاً إن الحرب السورية وصلت إلى مرحلة تلعب فيها جماعات ودول أدواراً مختلفة وليس بمقدور أي بلد التحكم بمسارها و»لدي شعور بأن الروس يجدون هذا أصعب مما توقعوه».
ويرى عدد من حلفاء إدارة أوباما من السوريين إنها وفي المراحل الأخيرة من عمرها في البيت الأبيض تحاول حل الأزمة السورية وهي لا تمانع في هذه المرحلة من منح الروس القيادة.
وينقل الكاتب عن عبادة القادري، الذي يعمل مع فريق المعارضة السورية للمفاوضات أن «الأمريكيين يظهرون ضعفاً أمام الروس في سوريا ولا يريدون الإستثمار» هناك.
ويضيف أن الولايات المتحدة تريد دفع المعارضة للذهاب إلى جنيف «ولهذا يذهبون ويخبرون الشعب الأمريكي والكونغرس بأنهم حاولوا». وسافر القادري إلى روسيا هذا الخريف من أجل بناء تفاهم بين جماعات المعارضة السورية والحكومة الروسية. وأخبره الروس بأنهم لا يتمسكون بالأسد ولكنهم يريدون منع سوريا من الإنهيار.
وأخبروه أن استهدافهم المعارضة المعتدلة كان بالخطأ وسألوه ان يشير إلى مواقعها على خارطة نشروها أمامه ولكنه اعتقد أنهم كانوا يكذبون.
وعلى خلاف تحليل فورد يرى فردريك سي هوف الزميل الباحث في المعهد الأطلنطي والمستشارالسابق للرئيس أوباما بأن على المعارضة السورية أن تظهر الحذر من محاولات الروس قائلاً إن هؤلاء لديهم سجل «ولو كنت واحداً من قادة المعارضة فهذا السجل كاف لتحييد الكلام المعسول الصادر عن شفاه الروس»، مشيراً إلى أن روسيا استخدمت «جبهة النصرة» كمبرر ولم تتردد والحالة هذه عن ارتكاب جرائم حرب.
ويعتقد هوف أن الروس مرتبطون بالأسد أكثر مما قالوا لقادة المعارضة وينظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المكان الذي سيهزم فيه المشروع الديمقراطي المزعوم لتغيير الأنظمة وهو ما يقوم ببيعه للروس.
ويضيف أن الأسد هو وجه المشروع وهو يشخصن الدولة السورية التي يحاول بوتين إنقاذها، ويخدم الأسد أهداف بوتين وهو يعرف هذا».

رفضوا

وتقول الجماعات المعارضة التي اتصل بها الروس إنها رفضت عروضهم جملة وتفصيلاً. وتحدث مقاتل عمل مع كتيبة عملت مع سي آي إيه «تدعمنا الولايات المتحدة ونعمل مع المخابرات الأمريكية فكيف نخدع الأمريكيين ونبدأ العمل مع الروس». ويقول عبدالله عودة الذي كان يقود «حركة حزم»، «لن أفعل هذا وأبيع ثورتي». وكانت «جبهة النصرة» قد طردت الحركة المدعومة من أمريكا إلى خارج البلاد العام الماضي.
وذكرعودة إنه على اتصال مع الأمريكيين وهم يعرفون عن محاولات الروس و»نحن مثل ورقة تتبادلها الدول الكبرى التي تلعب في سوريا». وهناك من الجماعات التي عبرت عن استعدادها لسماع وجهة النظر الروسية.
ويقول موسى حميدي وهو أحد قادة جبهة ثوار سوريا التي هزمتها «جبهة النصرة» نهاية عام 2014 وتلقى شحنات أسلحة أمريكية منها صواريخ مضادة للدبابات «تي أو دبليو» إن الروس اتصلوا به عبر وسطاء سوريين منهم حسين.
ويعلق «بصراحة، وجدتهم صادقين وأصدقاء أوفياء ويدعمون أصدقاءهم»، «روسيا أكثر صدقاً من أمريكا. ورفض حميدي العرض بسبب استهداف الروس للجماعات المعارضة وللمدنيين. إلا أنه أشار إلى أنه كان قادراً على قبول العرض والطلب من بعض مقاتليه الذين دربتهم وزارة الدفاع الأمريكية اجتياز الحدود التركية إلى سوريا والإنشقاق.
بالنسبة للقيادي في أنطاكيا فلا يزال يدرس خياراته. والتقى مع العميل السوري في تركيا وسوريا حيث قال إن الطيران الروسي كان يقدم الحماية لهما. وعندما قال إنه بحاجة لوقت أطول كي يفكر أعطاه العميل مبلغ 100.000 دولار.
وترك على هاتفه النقال رسائل عدة تدعوه لقبول العرض. وهو يعرف أن قبوله العرض يعني تنازلاً وفوزاً للنظام. وبالمقابل فقبوله التعاون مع الروس يعني طريقاً لإنهاء الأزمة خلافا للأمريكيين الذين يريدون شراء الوقت.

ابراهيم درويش- القدس العربي