ممسكاً بملعقة ومغرفة طعام، وقف زياد، اللاجئ العراقي ذو الثلاثة والعشرين عاماً، يرفع غطاء وعاء الطبخ الكبير المليء بأكلة اليخني والبطاطا، ليعلن عن بداية دوام عمله كمقدم طعام في إحدى القاعات الرياضية التي تم تحويلها إلى ملجأ للطوارئ من أجل القادمين الجدد من اللاجئين .
منذ السادسة والنصف وحتى الثامنة مساء، أوكلت مدينة برلين مهمة تقديم طعام العشاء لـ152 لاجئاً من سوريا، والعراق، وأفغانستان، ومولدوفا إلى زياد الذي يعد واحداً من آلاف اللاجئين الذين أخذوا على عاتقهم تنفيذ مهام عمل كإصلاح الدراجات الهوائية، وزراعة النباتات، وتنظيف الأرصفة مقابل عائد مادي لا يزيد عن 1,1 يورو للساعة الواحدة، بحسب تقرير نشره موقع The Local نقلاً عن وكالة الأنباء الفرنسية.
ويبلغ الحد الأدنى للأجور في ألمانيا 8.5 يورو وفقاً لتعديل أجري في عام 2014 .
تلك الوظيفة التي يمتهنها زياد وغيره من اللاجئين الشباب، تسمى بـ”وظائف اليورو الواحد”، وعلى الرغم من كونها بمثابة نقطة انطلاق للقادمين الجدد إلى سوق العمل في ألمانيا، إلا أن الخبراء مازالوا غير مقتنعين بفعاليتها.
بالنسبة لمهام العمل الخاصة بـزياد فتبدأ بترتيب الطاولات، وتقديم الطعام، وصولاً إلى التنظيف بعد الانتهاء من تلك المهمات، على أن يكون ذلك العمل بحد أقصى عشرين ساعة أسبوعياً مقابل 1,1يورو للساعة الواحدة.
وفي أفضل الأحوال، ما يحصل عليه زياد من تلك الوظيفة هو دخل مادي لا يتعدى الـ84 يورو، وهو بمثابة إعانة إضافية على الحياة بجانب الـ 143 يورو التي يحصل عليها خلال فترة انتظاره للقرار الرسمي الخاص بطلب اللجوء الذي قدمه.
ورغم أن الدخل المادي الذي يحصل عليه زياد يمثل نسبة ضئيلة من حجم الدخل المتوسط لمواطني ألمانيا، إلا أن ذلك الشاب العراقي يتعامل مع ظروفه بابتسامة كبيرة.
ويقول زياد الذي هرب برفقة والده وشقيقته من مدينته الحلة التي تقع على بعد 100 كيلومتراً جنوب العاصمة بغداد منذ ستة أشهر لوكالة الأنباء الفرنسية: “وظيفتي تتيح لي التواصل مع المتطوعين الألمان الذين يأتون إلى هنا لتوزيع وجبات الطعام، كما تمنحني فرصة تحدث اللغة الألمانية”، وأضاف: “كان عليّ ألا أقف في منتصف الطريق وألا أحدد ما يجب عليّ القيام به”.
100 ألف لاجئ مستهدفون
وفقًا لموقع breitbart، فإنه في خضم أزمة اللاجئين، أعلنت برلين عن بداية مشروع مثير للجدل بعنوان “وظائف اليورو الواحد”، وعلى الرغم من ضعف مرتبات تلك الوظائف التي لا تصل حتى إلى مستوى “حد الكفاف” في البلاد، إلا أن وزيرة ألمانيا للعمل والشؤون الاجتماعية، أندريا ناليس، تحدثت حينها عن تلك الخطة الجديدة بأنها “نقطة انطلاق” للمهاجرين لدخول سوق العمل.
كما تم التعامل مع هذا البرنامج على أنه وسيلة لمكافحة “الخمول القسري” الذي يعاني منه اللاجئون في مخيمات اللجوء، حيث يقيمون في المخيمات دون القيام بأي شيء، فقط في انتظار وثائق اللجوء الرسمية التي تأخذ أحيانًا شهورًا وأحيانًا أخرى لا تصل على الإطلاق.
اليوم، في مدينة برلين تم توظيف 3925 لاجئاً في 75 مركزاً، كما أنه يتم العمل على توسيع الأماكن التي تسمح بتلك الوظائف، مثل الجمعيات الخيرية التي تساعد المشردين أو تعمل على تأهيل مدمني الكحول.
وفي ولاية بافاريا، البوابة الرئيسية لآلاف اللاجئين، جنوب ألمانيا، حصل 9000 لاجئ على فرص عمل في خطة “اليورو الواحد”، كما قدمت مدينة “هانوفر” للقادمين الجدد إمكانية العمل في تصليح الدراجات، أو فرز الملابس المتبرع بها، أو مرافقة الأطفال في مدارس رياض الأطفال مقابل الحصول على دروس تعلم اللغة الألمانية.
وكانت وزيرة العمل ناليس قد وعدت بخلق 100 ألف فرصة من هذه الوظائف للاجئين.
استبعاد للاجئين من العمل
ومن جانبه، صرح الخبير الاقتصادي في معهد ” RWI ” الألماني، رونالد باخمان لوكالة الأنباء الفرنسية بأنه على المدى القصير، من المنطقي أن تكون تلك الوظائف مناسبة للاجئين الذين لا يجدون بديلاً لها أو طرقاً أخرى للعمل.
وأضاف: “دخول اللاجئين سوق العمل الألماني يرسل أيضاً إشارة سياسية جيدة”، في إشارة منه إلى العواصف الجماهيرية المعادية للمهاجرين في ظل استمرار تدفقهم إلى ألمانيا.
ومع ذلك، أشار باخمان إلى أن “وظائف اليورو الواحد” لم تثبت نجاحاً كبيراً في المهمة الأصلية الخاصة بضرورة حصول العاطلين على وظائف طويلة المدى، واستطرد قائلًا:” المرء يتعلم القليل جدًا من تلك النوعية من الوظائف، ونادراً ما تساعد هذه الوظائف على إدخال العاطلين إلى سوق العمل”.
وإلى ذلك، كشف رئيس الاتحاد الألماني للنقابات، راينر هوفمان، عن رأيه في ذلك المشروع الألماني، وقال إنه ضد انخراط اللاجئين في مثل هذه الوظائف، وأشار إلى أن ألمانيا تحتاج إلى برنامج أكثر طموحاً من أجل دمج القادمين الجدد في اقتصادها.
وعبر خبير سوق العمل في معهد ” IW” ، لغر شايفر، عن موقفه من ذلك البرنامج التوظيفي، قائلاً بنبرة شديدة: “في الواقع، نحن نقوم بدعم استبعاد اللاجئين من سوق العمل”.
هافنغتون بوست